عامر خضر آغا
اتبعت إسرائيل دومًا في حروبها النهج الانتقامي في محاربة أعداءها عبر قتل المدنيين بصورة علنية ليس حتى من باب الاستثناء العابر، إنما باستخدامهم كأداة ضغط لتحقيق مآربها، مبررة وجود المسلحين في أماكن مدنية، فباتت تلك التجمعات في قطاع غزة، والضفة الغربيةٍ، هي حتمًا نقاط عسكرية يجب قصفها ومنذ بدء “طوفان الاقصى” والمجتمع الدولي لا يزال يتغاضى عن انتهاكات إسرائيل في سفك دماء المئات من الأبرياء العزل في المنازل، والمستشفيات، والمدارس وغيرها…
بدأت رقعة القصف الإسرائيلي للمدنيين الأبرياء بتخطي حدود قطاع غزة والضفة الغربية، لتمتد شمالا مع الحدود اللبنانية الجنوبية، حيث كانت آخر جرائم القصف الإسرائيلي قبل أيام، إذ استهدف سيارة مدنية بداخلها 3 فتيات استشهدن مع جدتهن أما الوالدة فقد أصيبت إصابة بالغة لا تزال لم تتعافى منها إلى جانب إصابتها بفقدان فتياتها الثلاثة وهذا الجرح الذي لن يشفى طوال العمر. كرر الإحتلال اليوم الجمعة عدوانه باستهداف مستشفى “ميس الجبل” ما أدى لإصابة أحد العاملين الصحيين وتضرر قسم الطوارئ.
إن هذه الإعتداءات الإسرائيلية ستسهم لا محالة في إمعان الاحتلال الإسرائيلي بالتمادي في ارتكاب جرائم أفظع ما لم يتم وضع حد له، في ظل عدم توفير الحد الأدنى من الضمانات على حياة المدنيين من قبل الأمم المتحدة في ميادين الصراع القائم، فكيف يمكن أن تتوفر السبل الدولية لحماية المدنيين وهل هي قابلة للتطبيق؟
أقرت المعاهدات الدولية معاملة المدنيين في النزاعات المسلحة وفقا للقانون الإنساني الدولي، ومهمته الرئيسية هي تنظيم تحركات الأطراف المتصارعة خلال الحرب، عدا عن إلزامه تنفيذ التدابير المناسبة لتفادي الهجمات التي قد تحدث في الأغلب أضرارا أكيدة بين المدنيين وعلى الرغم من وجوب توجيه الإنذارات قبل البدء بالهجمات العسكرية في حال كان هناك ضرورة عسكرية لها، إلا أن ذلك لا يعني التنصل من حماية المدنيين أثناء تنفيذ الهجمات.
بناء على ما سبق فإن جوهر القانون الدولي الإنساني يتخلص في حماية المدنيين وتمييزهم عن المسلحين، فيما تنص المادة 48 من البروتوكول الأول على أن، “تعمل أطراف النزاع على التمييز بين السكان المدنيين والمقاتلين وبين الأعيان المدنية والأهداف العسكرية، ومن ثم توجه عملياتها ضد الأهداف العسكرية دون غيرها”، والقصف الجوي أحد أشكال الهجمات العشوائية المحظورة وفقا للمادة 51 في البرتوكول الأول إذ أنها لا توجه إلى هدف عسكري معين.
وعطفا لما سبق، فإنَّ إفلات إسرائيل من المحاسبة الدولية من المحكمة الجنائية الدولية تكرر في عدة حالات، أبرزها كان بعد عملية الرصاص المصبوب عام 2008 حين تشكلت بعثة لتقصي الحقائق عرفت بلجنة “غولدستون” بقرار من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وأثبتت عدة حالات استخدم فيها الجيش الإسرائيلي المدنيين الفلسطنيين كدروع بشرية دون أن يتم إحالة تلك الجرائم إلى المحكمة الجنائية الدولية نظرًا لتواطؤ أمريكا الدائم في دعم الإجرام الإسرائيلي، وفي اذار عام 2021 فتحت المحكمة تحقيقا في الجرائم المرتكبة في غزة والضفة الغربية وتمت عرقلته أيضا.
في السياق، لا بد من الإشارة إلى لبنان الذي تقدّم في العام 2022 لمجلس الأمن بما يقارب ال400 شكوى فيما يخص انتهاك إسرائيل للقرار 1701 دون أن تكون هناك أي نتائج تحذو نحو محاسبتها.
القزي: محاسبة إسرائيل باتت قابلةً للتحقيق
بالعودة لاستهداف العدو الإسرائيلي مستشفى ميس الجبل اليوم الجمعة، تؤكد الدكتورة في القانون الجزائي دعد القزي لموقع “حصرًا” أنه، “لا يوجد أي مبرر لقصف المستشفى كونه يقع في منطقة آمنة خارج نطاق الحرب وإن ما قامت به إسرائيل هو رسالة واضحة، مفادها أنها ستمعن بقصف المستشفيات كما فعلت في غزة وبغطاء دولي كرد شامل على المعركة المشنة ضدها مستمرةً في هذا النهج بدعم من الدول الكبرى التي تقف إلى جانبها وتسيّر الأعراف الدولية لصالحها بحجة تثبيت دفاعها عن الهجمات المضادة.”
تضيف، “القانون الدولي الإنساني ذو قواعد مثالية، لكنه يقف إلى جانب الطرف الأقوى في النزاع لأن الهيئات الدولية المعنية بتنفيذه وبإتمام محاسبة مجرمي الحرب مُمولةً من الولايات المتحدة الأمريكية التي دائمًا ما تعرقل إدانة إسرائيل بالأدلة في مجلس الأمن، وإنَّ تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية عادةً ما يتم المماطلة بها إلى حين موت المتهمين إذا ما ثُبتت إدانتهم.”
وتشير القزي إلى أن، “محاسبة إسرائيل باتت قابلةً للتحقيق أكثر من أي وقت مضى، لاسيما بعد التضامن العالمي الواسع غير المسبوق والملحوظ خاصةً لدى الشعوب الأوروبية التي ستضغط أكثر مع مرور الوقت لمحاسبة إسرائيل على جرائهما في مجلس الأمن باستمرار عدوانها على قطاع غزة.”
بشير: المشكلة بعدم وجود ضمانات
بدوره أكدَّ المحامي والناشط السياسي أمين بشير على أنَّ، “ما تفعله إسرائيل في غزة هو مقصود ليفقد الفلسطينيين في القطاع آخر أمل لهم في إنقاذ حياتهم لكي لا يتركوا أي مكان لهم في أرضهم فيضطرون للنزوح إلى الجنوب.”
أما عن الوضع في جنوب لبنان فقد أشار إلى أن، “إسرائيل بعثت رسالة وحشية مفادها أنهم ضاربين بعرض الحائط كل القوانين الدولية التي تحمي المدنيين والمنشآت المدنية أكان سيارات الإسعاف التي تستهدفها بشكل متواصل في غزة أو استهداف عائلة الصحفي سمير أيوب لمنع تطاول المقاومة وبأنه لن يكون لديهم أي رادع.”
يختم، “المشكلة بعدم وجود ضمانات للمرضى في المستشفيات لأن السياسات الدولية التي تقدم الدعاوى لدى المحكمة الجنائية الدولية لا تقبل كلها بسبب المعايير السياسية الدولية التي تلعب دورًا بارزًا في تأويل تلك الطلبات المقدمة وفقا للمصالح الدولية، فإن تأمن توافق دولي على المحاسبة في قضية ما يتم المضي به في محكمة الجنائية الدولية وإن لم يؤمن هذا التوافق تدرس ثم يبت أنه لا يمكن الوصول بها إلى نتيجة يقينية لذا فلبنان لن يكون قادرا على أن يحرز تقدمًا سياسيًا ملموسًا في هذا المجال لأن الفلسطينيين رغم تعاطف الدولي و الشعوب معهم فلم يلقوا نتيجة حتى اللحظة.”
المصدر: حصرًا