“لا تعتاد المشهد”… كيف ألفنا مأساتنا ؟

عامر خضر آغا

إستفاضت الوسائل الإعلامية في هتك تدجيلات إسرائيل إبِّان إبادتها المستمرة على غزة في فضح أشنع الانتهاكات، آخرها إهلاك سكانها جوعًا وقتلهم علانيةً أثناء تجمعهم حول فتات مآكل لن تسكّن خوائهم. انكشف للشعوب مدى نفاق واستنسابية النظام العالمي غير القادر على كبح تلك الهمجية الصهيونية، كارثة تناقلتها الشاشات مكرسة فائض من  القهر والعجز لدى المتابعين.

تصدَّر هاشتاغ ” لا تعتاد المشهد” مواقع التواصل الاجتماعي على مدى أسابيع بالتزامن مع ما بدأت الأنظار  تتأقلم عليه من مجازر عديدة تُنفذ في الساعة الواحدة، وغياب أي رادع عسكري فعلي لوقف العدوان، ما أفقد المشاهدين حذرهم تجاه إعتيادهم على فقدان حميتهم جراء تكرار المظاهر الدموية دون هوادة والتي إعترتها وصمة المستحيل، ما يطرح علامات إستفهام حول دور المواد الإعلامية في تخدير مشاعر المشاهد تجاه ما يمكن أن يراه من فواجع ومآسي. لاسيما بعد أن تعطلت حواسه وفقدت قدرتها على إستحضار أصوات النحيب وصور رذاذت الدم، فبات غير مبالٍ حتى في العالم الافتراضي بملأ صفحته الإلكترونية بالمناصرة الحية .

وفي هذا السياق أشار الدكتور في علم السيمياء في الجامعة اللبنانية لموقع حصرًا عماد غنوم: “أنه عندما يبدأ الحدث، يتوقع الناس تغييرات جيوسياسية كبيرة في  مستوى الأحداث فالإطلاع الدائم والرغبة بالمعرفة له تأثير كبير، والناس لا تميل إلى قراءة تداعيات الحدث بل تلجأ إلى الصور والافلام القصيرة الدقيقة.”

وأضاف، “أن سببب تبلد وفتور المشاعر تجاه ما يحصل في غزة هو أنَّ تأثير التغيرات الجيوسياسية واضحة للمشاهدين و طبيعة العين تعتاد، ففي سيميائية الصورة كم كلمة ستقول ألف صورة؟ فنصبح أمام فيض من المعلومات، يعجز المشاهد فيها  عن مواكبة كل الصور والفيديوهات بسبب طبيعة الوقت وإعتياد النفس والعين على المشهد المألوف والذي يصبح جزء من الخبز اليومي للإنسان”.

 للزمن في آنيته عامله الخفي في سلب شعور اللحظات الأولى، ولكن ليس بالزمن وحده يفقد الإنسان مشاعره، فبعد كسر حاجز المألوف في هذه الحالة  لم تظهر أي معالم لتجديد روح التضامن .

وأوضح الأستاذ الجامعي والخبير في الإعلام الاستراتيجي  محمود طرابيه لموقع حصرًا :”أن المتعارف عليه في علم الإعلام أن الأحداث تبدأ كبيرة من حيث التغطية والاهتمام والتحليلات ثم تخبو تدريجيًا وفي منطق التحرير والتغطية الإخبارية أي حدث لا يظل حدثًا قائمًا بحد ذاته لفترة طويلة. وفي بداية الحرب على غزة كان هناك عرض لجميع أنواع المواد من مقابلات و تغطية مباشرة شبه مستمرة و تقارير من الميدان.

فكان هناك كم هائل من المعلومات على شاشات التلفزة في المرحلة الأولى لتنحوا الناس على التعود على مشاهد الموت،  فتمر على أنها جزء من حياتهم الطبيعية بتلقي جرعات كافية من  المواد الإعلامية، فيألف المتابع المنظر ويصل  إلى مرحلة الملل فيلجأ  إلى محطات وبرامج أخرى”.

إنَّ العلة الأساسية في التغطية الإعلامية المتواصلة لجهة التعود لدى الجماهير، هو قابليتها على إعادة الإنسان إلى  فقاعة كبيرة من الإنغلاق وإلى ما يسيطر على طريقة تفكيره قبل وقوع  الحدث المفاجئ للمرة الأولى، وإنَّ ما يراه المواطن العربي يوميًا بغياب أي دعم  دولي أو عربي لتجنب الكارثة الإنسانية الراهنة في قطاع غزة، جعل الإعلام يكرس لديه المزيد من القهر وعقد العار  والرضوخ للتسلط كواقع  قائم لا مفر منه.

وأوضح طرابيه:”أن الناس تستنظر نتائج الحدث  فكانت هناك تحليلات تشير إلى أنَ الحرب ستنتهي بفترة معينة وتحصل  مفاوضات وتبادل للأسرى، فصارت تضع روزنامة الأحداث الحاصلة ولم يحدث أي تطور ملموس في هذا الشأن، فيصل المواطن إلى مرحلة من اليأس والإرهاق”.

المصدر: حصرًا

انشر المقال
Scroll to Top