أحمد المالكي| كاتب متخصص في الشؤون الأمريكية والعلاقات الدولية والقضايا السياسية
يعيش العالم اليوم عصر الفضاء الإلكتروني وأصبح العالم قرية صغيرة وانتشرت في هذا الفضاء مواقع التواصل الاجتماعي للتواصل بين البشر من مختلف انحاء العالم بالإضافة إلى مواقع الدين والاخبار والمواقع الخدمية واصبح الفضاء الإلكتروني مزدحما بكل انواع مجالات الحياة واتاح ايضا فرص للعمل في مجال التجارة الإلكترونية واعتمدت الدول نظام الرقمنة لتقديم الخدمات لمواطنيها من اجل التسهيل عليهم الحياة بعيدا عن الروتين الحكومي .
الفضاء الإلكتروني يدخل إليه يوميا اشخاص مختلفين في العمر والتعليم والثقافة والمستويات الاجتماعية لكنه بلاشك اصبح مفتوحا للجميع بدون تمييز وساهم في تقديم المعلومات لكل من يرغب في البحث والاطلاع واصبح مرجعا لكل الدارسين في الجامعات والمدارس واصبح التعليم الالكتروني متاحا للجميع في اي وقت وفي اي مجال بالإضافة إلى الحصول على الاخبار من المواقع والصفحات الإخبارية في وقت حدوثها ونشرها بطريقة اسرع وعدم الانتظار إلى الغد لمعرفة الاحداث كما كان يحدث في الماضي .
الفضاء الإلكتروني استخدمه البشر في معرفة امور دينهم ودنياهم ولذلك اصبحت المؤسسات الدينية بالإضافة لكل مؤسسات الدولة المدنية تطور من نفسها وتجعل لها مكان في عالم الفضاء الإلكتروني لكن هذا العالم له إيجابيات وله سلبيات ولا احد ينكر ايجابياته التي سهلت الكثير علينا واصبحنا نعتمد بشكل كبير في كل امور حياتنا على الفضاء الالكتروني بداية من التطبيقات الموجودة على الهاتف والتي اصبحت تقدم خدمات كثيرة في كافة مناحي الحياة وفي الدين توجد تطبيقات دينية تذكرنا بالصلاة والاذكار والادعية وتطرقت الى امور الفتوى لكن ايضا هناك سلبيات لان هناك تطبيقات تعمل ضد الدين ولها اغراض اخرى لتشويه صورة الدين ونشر الفكر المتطرف وتجنيد الشباب للعمل لصالح الجماعات الإرهابية .
مصر من الدول التي استغلت الرقمنة وعملت على اعتمادها استراتيجية في كافة مؤسساتها اليوم واصبحت الحكومة المصرية تعتمد في عملها على الرقمنة بشكل كبير من اجل تقديم الخدمات للمواطنين وايضا المستثمرين وفي مجال الفتوى قامت المؤسسات الدينية في مصر بتدشين مواقع إلكترونية وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي لتقديم الفتوى ونشر الاسلام الوسطي والصحيح ومواجهة الافكار المغلوطة عن الدين والتصدي لاصحاب الافكار المتشددة والمتطرفة .
وزارة الاوقاف المصرية نجحت في التواجد في الفضاء الإلكتروني لمواجهة الفكر المتطرف واعتبرت هذا الفضاء معركتها وقامت بتدشين ٣٥ صفحة وموقعا وقناة واعتبار عام ٢٠٢٣ عاما للدعوة الإلكترونية ويرى الدكتور مختار جمعة وزير الاوقاف ان مصر امام مرحلة فارقة من التاريخ والخطاب الدعوي ومواجهة جديدة جاء وقتها لاتقل اهمية عن المعركة التي خاضتها مصر طوال السنوات الماضية في تخليص المساجد من ايدي الجماعات المتشددة والمتطرفة .
وزارة الاوقاف قامت بإطلاق مجلس الافتاء بمشاركة نخبة من كبار علماء اعضاء هيئة تدريس جامعة الازهر الشريف وامناء الفتوى بدار الإفتاء المصرية والائمة المتميزين والواعظات المتميزات وبلغ ما تم افتتاحه ١١٢ مجلسا بواقع ٥٤ مجلس للرجال و٢٧ للسيدات و٣١ مجلس لامناء دار الإفتاء وهذا بالتنسيق بين الازهر والاوقاف بالإضافة إلى المنبر الثابت كل ثلاثاء بعد صلاة المغرب في جميع المحافظات وايضا هناك برامج اخرى تهتم بالاطفال في الصيف بالمساجد ويطالب اولياء الامور باستمرار ها طوال العام .
الفضاء الإلكتروني اصبح معركة دولة ولذلك لابد من نشر الثقافة الصحيحة والوعي الصحيح وإدراك الحروب الإلكترونية التي تحاول بعض الدول فرضها بالقوة من خلال نشر الشائعات والاكاذيب وضرب اقتصادات الدول بنشر بيانات مغلوطة حول الاقتصاد ويؤدي هذا في النهاية إلى كارثة على الدول التي تتعرض لخسائر كبيرة نتيجة هذه الحروب .
الفضاء الإلكتروني اصبح للتواصل الاجتماعي واستخدامه في عمليات البيع والشراء والتسويق من خلاله للمنتجات والعقارات والمواهب احيانا وايضا الاخبار والحجز الالكتروني في جميع وسائل المواصلات بالإضافة إلى التعليم والابحاث والدراسات العلمية .
وهناك سلبيات الفضاء الإلكتروني لان هناك اشخاص يستخدمون هذا الفضاء في النصب ونشر الشائعات وسرقة البيانات والصور والتجسس .
السؤال الاهم هل الفضاء الإلكتروني يتعارض مع الإسلام ؟والاجابة انه بحسب العلماء ان الإسلام لايعارض الفضاء الإلكتروني لانه من اكتشاف البشر ومن إبداعاته ويمكن استخدامه في نشر كل ما يفيد الناس وينفعهم ويسهل عليهم سبل الحياة وييسرها لهم لكن بلاشك ان هناك من يسخر هذا الفضاء لنشر الفساد والرذيلة والإرهاب ويسعى لاستغلال هذا الفضاء لصالحه لخدمة اهدافه ومصالحه الخبيثة .
الدين بحاجة إلى مواكبة وسائل التواصل الاجتماعي ونشره عن طريق هذه الوسائل باعتبارها موجودة في يد الجميع ولذلك الفتوى الإلكترونية عبر الانترنت مهمة خاصة مع انتشار الانترنت في كل ربوع العالم سواء الاسلامي او غير الاسلامي ولابد ايضا من التأكد من مصدر الفتوى وعدم الاعتماد على مصدر واحد والرجوع إلى المؤسسات الدينية المعتمدة في العالم وعلى رأسها مؤسسة الازهر الشريف والتي تمتلك صفحات وقنوات على مواقع التواصل الاجتماعي لنشر الاسلام الوسطي والصحيح والتصدي للفتاوي التكفيرية والإرهابية .
الفضاء الإلكتروني يمكن استخدامه في امور كثيرة تفيد الناس والمجتمع مثل نشر ثقافة التسامح ونشر العلم ومساعدة الناس في استخراج اوراقهم وايضا مساعدتهم في الحصول على الوظائف والسكن الذي يبحثون عنه ويمكن من خلاله ايضا نشر ثقافة التطوع ومساعدة الفقراء ونشر الاسلام الصحيح .
الإعلام عليه دور كبير في نشر الثقافة والابتعاد عن نشر التفاهات والذي لاينفع الناس ويحب ان تلتزم وسائل الإعلام بالمهنية وتبعتد عن ثقافة التريند التي تنتشر هذه الايام وتلهث خلفها وسائل الإعلام وتترك كل مايهم الناس من امور حياتهم .
الفضاء الإلكتروني اليوم مسؤولية كل مؤسسات الدولة المدنية والدينية والثقافية والإعلامية ويجب ان تتواجد كل المؤسسات بقوة وتنشر معلومات وحقائق لكي تواجه الصفحات والجهات المشبوهة التي تسعى لنشر الافكار المسمومة وإدخالها في عقول شبابنا وتشكيك الناس في امور دينهم وتحاول نشر الفتنة بين اصحاب الاديان والطوائف المختلفة .
للاسف هناك ظاهرة استشرت في الفضاء الإلكتروني وهي ظاهرة اليوتيوبر والتيك توكر وغيرها من الاسماء التي تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي لنشر التفاهات والهلث وراء المكسب من هذه التفاهات ووصل الامر الى المتاجرة بالزوجة والابناء واصبح العري ثقافة هؤلاء من اجل الحصول على المال لكن هناك ايضا من يقدم المحتوى المفيد من هؤلاء وايضا من رجال الدين والعلماء في كافة المجالات واستخدمت المدارس والجامعات الفضاء الإلكتروني لنشر التعليم واصبحت قاعات المحاضرات والفصول الدراسية اون لاين وهناك تفاعل مباشر من خلال البث المباشر ويتم تسجيل المحاضرات والرجوع لها في اي وقت وهذا من إيجابيات الفضاء الإلكتروني وهذا يؤكد ان ليس كل ماهو موجود على الانترنت يتعارض مع الإسلام .
هناك سلبيات للفضاء الالكتروني لانه يؤدي احيانا الى ادمان مواقع التواصل الاجتماعي التي اصبحت كثيرة وتجذب الناس لساعات طويلة من اجل حصد الاعجابات والتعليقات ويؤدي ذلك إلى انقطاع الروابط العائلية وصلة الرحم ويؤدي إلى انحرافات في الفكر والثقافة وهذه سلبيات لايجب ان ننكرها ونحتاج إلى مواجهتها والتوعية بخطورتها وضرورة نشر ثقافة الاستخدام الرشيد للفضاء الالكتروني والتوعية بأهمية الاسرة والروابط الاسرية وعدم قطع صلة الارحام لان ذلك يتعارض مع الدين ولذلك رجال الدين عليهم دور كبير ويحب ان تكون صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي منبرا للثقافة والفكر ونشر الاسلام الصحيح والابتعاد عن فتاوى التريند ايضا لان هناك ظاهرة من بعض رجال الدين يصدرون فتاوى من اجل التريند والبحث عن الشهرة .
صفحاتنا على مواقع التواصل الاجتماعي في الفضاء الإلكتروني يجب ان تكون عنوان تربيتنا واي انسان عليه ان يعرف انه مسؤول عن ما ينشره ولابد ان نبتعد عن تصفية الحسابات على مواقع التواصل والتوقف عن التراشق وغيرها من الامور التي اصبحت منتشرة واذكر نفسي واذكر حضراتكم اننا نحتاج إلى ان نقدم كل ما نعرفه يفيد الناس وتصبح مواقع التواصل الاجتماعي من اجل ان نفيد بعضنا بدلا من الدخول والسخرية من الناس والتدخل في حياة الناس الشخصية امور كثيرة اتمنى ان نبتعد عنها ونجعل مواقع التواصل الاجتماعي منبرا للحوار والتعاون وتكون هذه المواقع عنوان جميل لخدمة اهلنا وبلدنا .
الناس تتحطم معنويا بسبب استهدافهم على مواقع التواصل الاجتماعي من خلال نشر اخبار كاذبة عنهم وعن حياتهم الشخصية والبعض ينتحر بسبب هذا الاستهداف او التنمر عليه ولذلك القوانين والتشريعات لابد ان تكون صارمة لحماية الناس من استهدافهم واستهداف حياتهم الشخصية على مواقع التواصل والعقاب يجب ان يكون رادع لكل من تسول له نفسه النيل من سمعة الناس ولابد ايضا ان تكون هناك مؤتمرات وندوات تساعد الناس على استخدام مواقع التواصل الاجتماعي بشكل افضل والمؤسسات الدينية الفتوى الإلكترونية معركتها وعليها ان تخوضها للنهاية في ظل محاولات نشر ثقافات غريبة ومقيتة تستهدف مجتمعاتنا الإسلامية والعربية ولاتتماشى مع تقاليدنا وعاداتنا والمعركة ليست سهلة ولابد ان تكون كل محركات البحث في الفضاء الإلكتروني تحت سيطرة مؤسساتنا بحيث إذا بحثنا عن معلومات او فتوى نجد مؤسساتنا تتصدر محركات البحث لان السباق اليوم على هذه المحركات والجميع يسعى لنشر السموم من خلالها والافضل ان تسيطر مؤسساتنا بمزيد من الصفحات والقنوات الإلكترونية والبث المباشر لخدمة المجتمع والدين ولخدمة بلدنا .