الواقعية والصمود… أعتى ما انتصرت به المعارضة

عامر خضر آغا

هيمنت مشهدية ضبابية قاتمة على شريحة ملحوظة من الشعب اللبناني في استحقاق الانتخابات النيابية عام 2022، بانسحاب تيار المستقبل عن خوض غمارها ضد منافسيه السياديين من جهة وفئات مشتتة ادعت تمثيل ثورة 17 تشرين من جهة أخرى، فتراجعت بوضوح نسب الاقبال على الانتخاب، ما عكس لدى اللبنانيين نظرة تشاؤمية إلى مجلس نيابي بات معلومًا أنه سيكون مقسومًا بصورة ثنائيةحادة بين الثنائي الشيعي وأحزاب المعارضة الممثلة بالقوات اللبنانية والكتائب وكتل سيادية أخرى لن تنتج إلا توازنًا سلبيًا في شل مهام البرلمان.

فهل تمكنت الكتل المعارضة من التأثير المنشود في عملها النيابي؟

فاقت وحدة صفوف المعارضة وتعدادها داخل المجلس النيابي الجديد كل تلك التوقعات البائسة ، فمع هيمنة معادلة “اللاغالب ولا مغلوب”، بدأت الكتل المعارضة تجاهر في الاستعداد لمواجهات ضروس بعقلية براغماتية محكنة وحازمة لإعادة الأمور إلى نصابها المؤسساتي بعد أن بدأ حزب الله يفقد قدرته على تعزيز إرادته السياسية وضعضعتها بفشله في استثمار مبتذل للمتغيرات الاقليمية والمبادرات الخارجية لم يستطع فيها اخضاع خصومه.

ناهضت أي محاولة للحوار على انتخاب رئيس الجمهورية لاعتبارات جوهرية أولها أنَّ انتخاب رئيس للجمهورية لا يشترط حوارًا بل جلسات متتالية وإن كان يستلزم حوارًا فهو لا يمت لمحددات الحوار، فجلسات الحوار التي دعى إليها محور الممانعة بحجة نمَّت عن فرض واضح للاتفاق على مرشح معين ترشحه حكمًا في منصب رئاسة الجمهورية ويبقى في هذه الحالة للمعارضةهامش من الحرية في هذا الحوار محدود بإدخال بعض ما يستوجب على المرشح أن يعطيه للطرف المعارض ضمن ما تفرضه محاصصات تمت في ما مضى.

وأكدَّ المحلل السياسي طوني بولس أنَّ “حزب الله حاول الالتفاف على الدستور وعلى إقامة جلسات دستورية عبر الحوار ورفضته القوى المعارضة لأنها تعلم هدفه بالالتفاف على الدستور وتجاوزه، فمنعت وصول مرشحه للرئاسة برفضها الانخراط في الحوار الذي كان يدعو إليه رئيس المجلس النيابي فأكدت أن لا إمكانية للذهاب الى انتخاب رئيس للجمهورية الا عبر المؤسسات الشرعية ووفق الدستور اللبناني وفرملة أي تسوية خارجية لا تتقاطع مع المصلحة اللبنانية”.

تيقنت القوى المعارضة أنها دائمًا مجبرةً على إجراء التفاوض مع من يتعامل معها باستعلاء وتفرد في ما يملكه من نفوذ ،عدا عن أنَّ الحوار كان بحد ذاته دائمًا ما يشمل منصبي رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ويستثني رئاسة مجلس النواب.

ولفت بولس أنّ، “الانتخابات الأخيرة خلقت توازنًا جديدًا فسحبت الاكثرية من حزب الله وهزمت حلفائه المباشرين سواءً عند التيار الوطني الحر، الذي تراجع عدد النواب في كتلته، أو عند الطائفة السنية بعد أن تمتهت بتنوع واسع لم يعد حزب الله قادرًا على كبحه، أو عند الطائفة الدرزية الذي قام الرأي العام بانتخاب نواب يعتبرهم ضد منظومة حزب الله وأسقط حلفاء حزب الله، لم تستطع المعارضة أن تصنع توازن كبير واسع لصالحها إلا أنها صدت اندفاعة حزب الله وحلفائه خلال محاولتهم لفرض رئيس للجمهورية وفرملة ما حصل في الثورة من تغيرات ليعيدوا احياء المنظمومة السياسة، فمنعته المعارضة بتنوعها بكتلة صلبة مؤلفةً من حوالي 33 نائب شكلت صورة المعارضة مع تحالفات وقوى سياسة مقربة منها لتفرض توازن سياسي معين من حصد أكثرية لحزب الله وذلك بالرغم من نجاحه في القيام بمعادلة دولية عبر فرنسا لفرض سليمان فرنجية رئيس للجمهورية، إلا أنَّ المعارضة نجحت في تخطيها وتقاطعت مع التيار الوطني الحر على نقاط محددة وعلى اسم رئيس الجمهورية وبالتالي خلقت إجماع مسيحي ضد مرشح حزب الله الذي حظي بدعم فرنسي، وبالتالي فإن اداء المعارضة صنع توازن داخلي واضح سلبي لم يصل أحد إلى رئاسة الجمهورية ولكنه يصب في مصلحة تحرير تدريجي للبنان من هيمنة حزب الله و فرض نوع من تسوية معينة”.

صممت الكتل المعارضة وقوى التغيير على تلافي حوار ذو سمة توافقية متناقضة وابتعدت عن الدخول في دهاليز اتهامهم بمسؤولية فساد الفريق الآخر في الحكم، فحضروا جلسات انتخاب رئيس للجمهورية منذ تقاطعهم على ترشيح النائب ميشال معوض على مدى إحدى عشرة جلسة استمر فيها فريق 8 آذار بتعطيل نصاب الجلسات وتطييرها بالاقتراع بالورقة البيضاء أما في الجلسة 12 بادرت الكتل المعارضة إلى استمالة نوعية للتيار الوطني الحر لخرق حلفه مع الثنائي الشيعي والتقاطع معهم على جهاد أزعور علمًا أنَّ الثقة بين التيار والقوات بقيت شبه مزعزعة وما جمعمها هو منع فرنجية من الوصول إلى قصر بعبدا، وهو ما ساعد المعارضة في خطوة عملية للضغط على بري لفتح أبواب المجلس النيابي.

بعد كل هذا التقاطع الكبير فشلت المعارضة ومعها التيار الوطني الحر بأغلبية نوابه في إيصال جهاد أزعور لسدة الرئاسة بعد أن حصد 59 صوت فقط ونيل سليمان فرنجية 51.

أعاقت القوى التغييرية والمستقلة كل سبل انتخاب رئيس الجمهورية لأن تصويتهم كان دائمًا ما يؤدي إلى تمديد الشغور دون أن يكون لهم خطة موحدة او مرشح معتمد، فإن لم يتوفر اتفاق بينهم على مرشح اقترعوا بالأوراق البيضاء.

ولفت النائب السابق مصطفى علوش في هذا الخصوص لموقع حصرًا: “أنَّه في ظل عمل مجلس النيابي على قواعد النصف زائد واحد والثلثين فرض واقعا قائما بحد ذاته مكن المعارضة من تعطيل السيطرة الكاملة لحزب الله على قرار المجلس النيابي إلا أنها لم تستطع أن تنجز أبعد من ذلك التعطيل الذي وقعت أيضًا ضحتيه باتباع حزب الله الوسيلة نفسها وهو ما سمح للمعارضة فعليًا بأن تقوم فقط بالتصويت، وذلك عائدٌ إلى فقدانها للطريقة التي يجب أن تتوحد فيها ضد حزب الله دون أن يكون هناك مجال للمزايدة فيما بينها”.

برعت المعارضة مجدداً ودرة تاجها “حزب القوات اللبنانية” في تحوير مفهوم “تشريع الضرورة” بالتمديد لقائد الجيش جوزيف عون بعد أن رفض التمديد له رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل بحجة مخالفته لقانون المحاسبة العمومية وقوانين أخرى. إلا أن القوات وحلفائها أقنعت الرأي العام أن رفض باسيل نابعٌ من حقد دفين على خلفية رفض قائد الجيش الخضوع لأوامر باسيل وعون في ما خص المؤسسة العسكرية، ونجحت بامتياز في اظهار باسيل بصورة الابن الضال عن بيئته التي حمل فيها راية الدفاع عن منصب رئيس الجمهورية تبعًا لمصالحه الفئوية، ففي محاولته لتنحية قائد الجيش ارتضى أن تُخرق صلاحية رئاسة الجمهورية في هذا الخصوص وأن تقوم الحكومة بتعيين قائد جيش جديد، بيد أنَّ تعيينه من صلاحيات رئيس الجمهورية ولا يقبل في الوقت نفسه أن تُمضى التشكيلات الوزارية دون وجود امضاء لرئيس الجمهورية عليها. ما سمح للمعارضة أن تمدد لقائد الجيش في ظل غياب رئيس الجمهورية وهو ما اعتبر انتصارًا ملفتًا لها وجهت فيه ضربتين موجعتين للتيار الوطني الحر من حليفه التقليدي حزب الله، عندما لم يعطل نصاب التمديد لقائد الجيش الذي تم الموافقة عليه في الحكومة أيضًا، والثانية ما ورد في بيان الاجتماع الأخير لكتلة الوفاء للمقاومة ومفاده أن جلسة التمديد لقائد الجيش هو دليلٌ على أهمية التفاهم لإنجاز انتخابات الرئيس.

وأضاف بولس، “أنَّ التوافق الداخلي على التمديد لقائد الجيش هو نقطة كبيرة تسجل لصالح المعارضة، لأنَّ الانهيار الذي طال كل المؤسسات والادارات الرسمية لم يستطع أن يؤثر على المؤسسة العسكرية، ومع أن حزب الله كان جزءًا من التسوية، إلا أنه كان يسعى من خلال التيار الوطني الحر إلى إفساح المجال له لضرب المؤسسة العسكرية لأن حزب الله يريد أن يرى مؤسسة عسكرية فاشلة ومفككة وهو ما يسهل له عمليًا السيطرة على الدولة اللبنانية دون تدخل واضح منه، ونجاح التمديد يعود اولاً للقوات اللبنانية التي قدمت اقتراح قانون التمديد لقائد الجيش وسعيها لتأمين نصاب التمديد له”.

تألقت المعارضة رغم عدم امتلاكها للأغلبية النيابية من إنجاز مهامها الانتخابية والحفاظ على مفهوم تلك التشريعية منها في ما يحفظ سيادة لبنان وتوازن السلطات فيه، وتصويب البوصلة نحو المفاهيم الصحيحة للديمقراطية التوافقية وكسر هيمنة الشخصية المركزية والقوية والاهواء الشخصية الخارجة عن الدستور وإذابة الجمود في الممارسة السياسية دون أي فيتوات سياسية طائفية بغيضة.

المصدر: حصرًا

انشر المقال
Scroll to Top