تعمل الأجهزة العسكرية والأمنية، بتكامل وتنسيق كبيرين، منذ حادثة الاعتداء الإرهابي على السفارة الأميركية في عوكر شرق بيروت، لكشف كامل التفاصيل المتصلة بهذه العملية، وتحديد المرتكزات البشرية واللوجستية التي انطلق منها منفذ العملية السوري قيس محمد عوض أمين الفراج، الذي يصارع الموت في المستشفى العسكري في بدارو (بالعاصمة بيروت)، كون إصابته بليغة جدا ولا يزال في غيبوبة اصطناعية بعد العملية الجراحية التي اخضع لها.
وقال مصدر أمني لـ «الأنباء»: «الفراج في وضع صحي صعب جدا، وان كل الجهود تبذل لإبقائه على قيد الحياة، ووظفت الخبرات الطبية من أجل تحقيق هذا الهدف، لأنه بعد العملية الجراحية التي خضع لها نتيجة إصابته في شرايين أساسية تبين ان إخراجه من غيبوبته الاصطناعية سيؤدي فورا إلى وفاته. لذا هناك عمل طبي متواصل لتفادي وصوله إلى مصير شبه محتوم وهو الموت».
وأوضح المصدر «ان بقاء الفراج على قيد الحياة من شأنه ان يوفر المزيد من المعلومات التي لا تنحصر بالتهديدات الأمنية الإرهابية في الداخل اللبناني، انما تتجاوزه إلى الدول الشقيقة والصديقة. والسبب الاساسي الذي بنى المحققون عليه هذا الاستنتاج، هو ان التحقيقات المكثفة التي تجريها مديرية المخابرات في الجيش اللبناني، وتلك التي تجريها أجهزة أمنية رسمية أخرى، توصلت إلى نتيجة حاسمة أثبتت ان الفراج ينتمي إلى تنظيم ««داعش» الإرهابي، ويرتبط مع أحد قادة هذا التنظيم في العراق، الذي أعطى الفراج التوجيهات والتعليمات للتركيز على تنفيذ عمليات تستهدف المصالح الأميركية في لبنان».
وأكد المصدر ان «التحقيقات، لاسيما الفنية وما أدلى به جميع الموقوفين، قد حسمت مسألة ان الفراج بايع داعش العراق، وبعد مبايعته بدأ بدعوة محيطه إلى تأييد داعش وانتهاج فكره، اما المهم في التحقيقات كلها، انها تقاطعت حول نقطة أساسية، وهي ان الفراج لا ينتمي إلى خلية، انما هو من «الذئاب المنفردة»، وانه اشترى السلاح الذي استخدمه في العملية من أحد تجار السلاح، وعمد إلى تأمين المستلزمات الأساسية للقيام بهذه العملية الارهابية».
وشدد المصدر «على أهمية سرعة مديرية المخابرات وبالتعاون مع الأجهزة الأمنية الاخرى في التعامل مع الحادث، من خلال المسح الميداني والتوقيفات التي حصلت، وصولا إلى جلاء معظم الملابسات، مع الأمل ببقاء الفراج على قيد الحياة لتتبين الأمور، التي عادة ما تحتفظ بها الذئاب المنفردة لنفسها».
21 موقوفا:
وفي السياق، كشف مصدر قضائي بارز لـ”الشرق الأوسط” أن “عدد الموقوفين في هذه العملية ارتفع إلى 21 شخصاً، بينهم منفذ العملية السوري قيس فرّاج ، ووالده وشقيقه والأشخاص الذين كان على تواصل دائم معهم، بالإضافة إلى رجال دين كان يتلقّى دروساً دينية لديهم”.
عدد الموقوفين ربما يتراجع أو يرتفع في الساعات المقبلة وفق تطورات التحقيق، حسب تقديرات المصدر القضائي، الذي تحدث عن “تقييم أمني يخضع له المحيطون بمنفذ العملية، بدءاً من تفريغ المعلومات الموجودة في هواتفهم واستقصاء معلومات شخصية عن سلوكهم وعلاقاتهم، لمعرفة ما إذا كان هناك خليّة أمنية مرتبطة بتنظيم (داعش) أو غيره من التنظيمات الإرهابية”.
وقال المصدر نفسه: “لا شكّ أن قيس فرّاج لديه ميول متطرفة، وأن الحرب الإسرائيلية على غزّة هي المحفّز لهذه العملية، لكن المؤشرات والمعطيات المتوفرة حتى الآن تستبعد وجود عمل أمني منظّم، وإلّا لكانت العملية أكبر، وربما أوقعت عدداً من الضحايا، وهذا ما يقدّم فرضيّة العمل الفردي، رغم خطورته”.
مصدر أمني: كل الاحتمالات واردة
ورغم أن الترجيحات تميل إلى العمل الفردي، أكد مصدر أمني لـ”الشرق الأوسط” أن “كل الاحتمالات تبقى واردة، ولا يمكن إسقاط أي فرضية عن عمل بهذه الخطورة”. وسأل: “إذا كان عملاً فردياً انتقاماً لضحايا غزّة، فلماذا اختار المهاجم مقرّ السفارة الأميركية التي تتميّز بإجراءات أمنية مشددة وتحصينات عالية الدقة؟ ومن هي الجهة التي أمنت له السلاح والذخيرة وساعدته على الانتقال من البقاع إلى بيروت ومنها إلى عوكر؟”، مشيراً إلى أن المعطيات “تفيد بأن المنفذ أجرى قبل أيام من الهجوم استطلاعاً للمنطقة، وراقب السفارة والطرق المؤدية إليها، وهو ما مكنه من التنقل حول السور الخارجي لها، وإطلاق النار على مداخلها”.
ويعمل الجهاز الطبي في المستشفى العسكري على تقديم العناية الطبية الفائقة لمنفذ العملية؛ لما لإفادته من أهمية كبيرة في كشف خلفيات هجومه والجهة التي حرضته أو تقف وراءه.
وعلمت “الشرق الأوسط”، أن الوضع الصحّي للسوري قيس فرّاج بات مستقرّاً بعد أن كان بحالة حرجة. وأفادت المعلومات بأنه “يحتاج إلى أكثر من عملية جراحية في الأيام المقبلة، بسبب الإصابات في بطنه وتمزّق أعضاء حيوية نتيجة الإصابات القويّة، لكن هذه العمليات تنتظر استقرار وضعه أكثر”.