تنفّس!!

ريمان شكر

“انا مكتئب” كثيراً ما نسمع تلك العبارة من المراهقين والكبار وحتى الأطفال، إذ أننا أصبحنا نربط شعورنا بالحزن والإحباط بكلمة يسهل على اللسان أن يقولها ولكنها صعبة بما تحمله من معانٍ ومشاكل وخطورة.

صحيح أننا نعيش اليوم في عالم مليء بالضغوطات والمشاكل والاضطرابات ، كما أن الأمر بات صعباً على الإنسان أن يتحمله. كل هذا يؤثر حتماً على مزاجنا وعملنا وحياتنا اليومية، وقد تشعر أن الجميع حولك يملك روحاً تنافسية ويتقدم بينما أنت ماكث في مكانك ، ذلك لأننا اليوم ومنذ فجر السنين نعيش في عالم من المنافسة ، الأمر الذي يفرض على الفرد وضع نفسه تحت الضغوطات النفسية والعقلية، هل هذا يعني أنك مكتئب؟

قد تستيقظ اليوم وانت في قمة السعادة ومستعد لإنجاز مهامك على أكمل وجه ، متطلع لقضاء أسعد الأوقات مع أسرتك وأصدقائك. وقد تستيقظ في يوم آخر دون عزيمة مع شعور بالاحباط والحزن وقلة الحيلة ، أهذا يعني أنك مكتئب ؟ وهل الحزن هذا هو دليل على اكتئاب؟ وهل ظروفك الصعبة هي السبب خلف هذا الشعور؟ للإجابة على جميع هذه الأسئلة التي تدور في ذهنك.

خضنا في حوار مع المرشدة النفسية رندا براج لنعرف أكثر عن الصحة النفسية والحقيقة خلف الامراض النفسية المنتشرة بين المراهقين وحتى الراشدين.

يربط الإنسان شعوره بالسعادة بالصحة النفسية الجيدة، وشعوره بالحزن أو فقدان الشغف بالصحة النفسية السيئة و”الاكتئاب”، ما هي نسبة صحة هذا المفهوم أو هذا الاعتقاد؟ وهل الشعور بالحزن والإحباط هو أول أسباب الاكتئاب والصحة النفسية المتضررة ؟

أولاً ، لا بد من أن نحدد مفهوم الصحة النفسية ، وهي قدرة الإنسان على مواجهة المواقف الصعبة والتكيّف معها، والقدرة على أن يكون متصالحاً مع ذاته ومع الآخر. مؤخرًا انتشرت ظاهرة وهي أن الفرد بات يصنف نفسه ضمن خانات الأمراض النفسية فور شعوره بالحزن، وهذا يعود للثقافة المخاطئة المنتشرة بين المراهقين وحتى بين الناضجين.

حتى أن الأطفال باتوا يرددون عبارات خاطئة ليصفوا بها حالاتهم المزاجية. إلا أنه لا يمكن أن نشخص مرض الاكتئاب لشخص ما بمجرد ادعائه ذلك لأنه وفي العيادات الخاصة تتم مراقبة الفرد لنرى إلى أي مدى تدوم معه هذه الحالة، لأن فترة الاكتئاب يجب أن تتعدى الشهر، بالاضافة إلى ضرورة النظر إلى العوارض مثل كمية الاكل وساعات النوم التي يحظى بها ، والنظر إلى علاقاته الاجتماعية والأسرية وغيرها من العوارض. فالمدة الزمنية والعوارض هي التي تجعلنا نحدد اذا كان الإنسان مكتئباً ام لا .

كما أن الاكتئاب عدة أنواع ، كالاكتئاب المزمن، depression résistante، وهذا النوع من الاكتئاب المقاوم ، والاكتئاب بسبب حالات طبيعية كالحمل وهذا النوع من الاكتئاب يختلف تماماً عن الأنواع الأخرى ، وتتم معالجته عادة بالأدوية على مدة زمنية معينة، حتى المرأة الهستيرية قد تعاني من الاكتئاب ولكنه أيضاً مختلف عن باقي أنواع الاكتئاب وبالتالي لا يمكننا تعميم هذا المرض، لأن كل نوع من الاكتئاب له عوارضه الخاصة ونوع العلاج الخاص به وحتى الدواء.

والاهم من ذلك لنقول أن الشخص يعاني من الاكتئاب لا بد من أن يكون على الأقل يعاني من خمسة عوارض.

كيف يعرف الشخص أنه مصاب بمرض نفسي؟ وكيف يفرق بينه وبين الحالات المزاجية الطبيعية وتقلب المزاج؟

يختلف الاكتئاب عن اضطراب المزاج، فهذا الأخير متفاوت ومتقلب، كالاستيقاظ صباحاً مع قلة حيلة وحزن ورغبة في الابتعاد عن المحيط والأشخاص، قد تستمر هذه الحالة لأسبوع ، وقد يمر أسبوع آخر وانت تشعر بالحماس والنشاط والرغبة في البقاء مع الأسرة والأصدقاء وقضاء وقت ممتع معهم.

كذلك لا يمكننا تصنيف اضطراب المزاج الا بعد مراقبة الفرد لفترة زمنية معينة قد تدوم لشهر أو أكثر لتصل لستة اشهر .

فتقلب المزاج بين يوم وآخر لا يعني اضطراب مزاج، ذلك لأن اضطراب المزاج يؤذي الشخص ويعطله عن حياته العملية والإجتماعية ويعزله، كما يعيق عملية الإنتاج لديه. اذا الإحباط لفترة زمنية معينة قد يوحي للفرد بأنه مكتئب، ولكن فعليا ليس مكتئباً .

مثال آخر لشاب جامعي فشل مشروعه، فيحزن ويحبط وينعزل في غرفته، يتوقف عن النوم والاكل ويخسرالكثيرمن وزنه ويتجنب الاختلاط بالٱخرين، في حال لاحظ أن هذه الحالة متكررة لديه كل شهر مرة، فهذا انذار خطر ولا بد من توجهه للعيادة، ومن خلال عملية العلاج يراقب الفرد نفسه، فإذا تكررت ثلاث مرات على ثلاثة اشهر فهذا الشخص مكتئب. الغالبية العظمى مرت بمشاكل نفسية من دون زيارة المستشفيات أو العيادات.

متى تصبح زيارة الطبيب النفسي ضرورية؟

العلاج يسير عبر الطبيب النفسي، لأن الفرد لن يدرك بمفرده نوع القلق الذي أدخله في هذه الحالة، لأن الدخول في حالة الاكتئاب أو أي مرض نفسي ٱخر له أسبابه التي يصعب على المريض معرفتها أو تحديدها. وبالتالي هو بحاجة لشخص مختص يحدثه عن مشاكله ليساعده على تحديد مشكلته لمعالجتها.

البحث عن المثالية، يمكن أن يكون اول الأسباب لسقوط الفرد في دوامة الاكتئاب والاضطرابات النفسية. كالبحث عن المثالية في الشخصية، والتفوق والمنافسة في الجمال والعمل والأداء  وأسلوب الحياة وغيرها. هل مشاهدة الفرد لتفوق وإنجازات الٱخرين وتميزهم يؤدي إلى ضعف في شخصية الفرد وبالتالي الاكتئاب ام انها تشكل تحفيزاً لديه؟

النظرإلى الآخر يوعي لدى الفرد صراعات داخلية بهدف الوصول إلى المثالية. الغيرة من الآخر، سببها فقدان الرضا عن الذات، وهذا ما يعيق الفرد عن التقدم والتطور. كإمرأة لا تتميز بجمال معين، وتنظر للمرأة الجميلة وتقارنها مع نفسها. وحتى من جهة كسب المال، كالنظر إلى مدخول الآخرين.

هنا المشكلة تكمن لدى الفرد نفسه، اذ أنه ينظرإلى الخارج وليس إلى الداخل اي لا ينظر لنفسه وبالتالي لن يعمل على تطويرها وتحسينها.

ولا تخلق الغيرة لدى الفرد من الناس الذي أحاط نفسه بهم عند الكبر، بل من البنية النفسية منذ الصغر ومن الأسرة، بالنظر إلى إخوته مثلا، وبالتالي عندما يكبر سيكبر معه هذا الشعور بمراقبة الٱخر.

كذلك السعي خلف المثالية له أسباب ترتبط بمرحلة الطفولة والضغط الذي كان يضعه الآباء على الطفل ليكون الافضل ويظهر افضل ما لديه ويتميزعن غيره، فيخلق لدى الفرد الشغف بالوصول إلى المثالية.

مع تطور التكنولوجيا و “السوشيل ميديا”، إلى أي مدى تؤثر هذه المواقع على نفسية الفرد؟ وهل هناك فروقات ما بين فئة الإناث والذكور حيال هذا الامر؟

“السوشيل ميديا” هي عالم افتراضي، ونسبة كبيرة من الأشخاص واقعهم يتعارض مع ما يظهرونه على مواقع التواصل الاجتماعي. المرأة التي تتجه إلى إظهار جمالها على أكمل وجه على مواقع التواصل الاجتماعي هي بنسبة كبيرة تعاني من عدم الرضا عن الذات، وهدفها هو الوصول إلى المثالية، وخلف ذلك قد تواجه مشاكل أسرية مع زوجها ، وقد تتعطل قدرتها على إتمام واجباتها داخل أسرتها.

“السوشيل ميديا” هي بمثابة استعراض بالحياة اليومية وعرض الحياة بالصورة التي نرغب بها ونرغب بإظهارها. وبالتالي مواقع التواصل الاجتماعي لها جانبان سلبي منها وإيجابي، إيجابي للتعرف على الجانب الآخر، والجانب السلبي هو خلق الوهم الذي يسيطر على الناس.

مثلا كتطبيق “التيك توك” الذي نرى أن الغالبية فيه تستعرض وترقص، وهنا يطرح السؤال، ما هي الرسالة ؟ وما هو الهدف خلف نشر هذه الفيديوهات ؟ قد تكون نرجسية ، أو شخصاً يحب الاستعراض.

غياب الأهل عن المراهق في ظل مواقع التواصل الاجتماعي يشكل مشكلة ، حتى أن بعض الأهل باتوا يشاركون أطفالهم بمقاطع الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي ، وكأنهم يبقون طفلهم بجانبهم كي لا يستبدلهم بأحد آخر في الوقت الذي يفرض على المراهق الخروج إلى المجتمع للتعرف عليه.

من المعروف أن الممارسات المجتمعية والبيئة تؤثر على صحتنا النفسية. في ظل جائحة كورونا والأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة في البلاد، كيف تؤثر هذه البيئة على الصحة العقلية والنفسية لدى الشعب اللبناني؟

من المؤكد أن الحالة الاقتصادية والاجتماعية لها تأثير، ولكنني أعود إلى تعريف الصحة النفسية، وهي قدرة الفرد على التكيف مع الوضعية الجديدة اليوم، وقدرة الفرد على حماية نفسه من التأثر بهذه الظروف ليتمكن من إنجاز مهامه بالشكل الصحيح، ففي حال كان الرجل متزوجاً يقوم باجتماع مع عائلته وأسرته لإعادة النظر لإدارة المأزم وتقسيم الأدوار والوظائف لحماية الأسرة من التفكك. لاحظنا في الفترة الأخيرة.

ومن الـ ٢٠١٩ أن نسبة الطلاق ارتفعت على رغم وجود أطفال، وذلك بسبب الأزمة، حتى أزمة كورونا أثرت على العائلة ، إذ خلقت تواصلاً بين الزوج وزوجته ، هذا التواصل الذي غاب مسبقاً بدعوى انشغالات الحياة. ولكن الحياة لا تأخذ ولا تشغل أحداً عن مسؤوليته الا برضاه.

ولا بد من الإشارة إلى أن نسبة زيارة العيادات النفسية ارتفعت، ومن الطبيعي أن الشخص الذي كان يتابع العلاج النفسي استطاع أن يحيط بأزمته ويضع حداً لها لعلاجها.

  دائماً ما يلقي الإنسان الحزين أو المحبط والمكتئب اللوم على غيره ، ويقوم بدور المظلوم وضحية الظروف الصعبة والمشاكل الاجتماعية والاقتصادية والأسرية، هل فعلاً الإنسان ضحية ظروفه وبيئته الصعبة؟ أم أن الأمر يتوقف على مدى وعي الفرد حول تقبل هذه الاضطرابات النفسية والتعامل معها ؟

الانسان داخل وخارج ، الداخل هو الذي خلق وبنى، لأنه ومنذ المرحلة الأولى ، أثبتت الدراسات أن ما تعيشه الأم في مرحلة الحمل ينتقل إلى الجنين، سواء كان اكتئاباً أو مشاكل او اضطرابات. اذاً، يبنى الداخل من وقت تكوّن الجنين في بطن الام ، ويكمل إلى مرحلة الطفولة خاصة في علاقته مع أمه وطريقة تعاملها معه خلال فترة الرضاعة والنمو وغيرها إذ أن كل فترة تؤثر على الطفل في بناء النفسية . لذلك الداخل يبنى مع صراعاته وأزماته. وبناء على ذلك يتكون لدى الفرد قدرته على تلقي المشاكل من الخارج والتعامل معها ، كالتنمر مثلاً ، الطفل المدعم نفسياً وذو البنية القوية قادر على التعامل معه على عكس الطفل الذي غاب عنه الدعم والمساندة.

– هل من طرق لحماية الفرد من التأثر بالظروف الصعبة المحيطة به ؟

ثمة أمور مفروضة على الفرد ، دون خيار، فعلى الفرد البحث عن الحل بنفسه ، لذلك نرى العديد من الشباب والشابات اتجهوا نحو الهجرة، أما الأفراد الموجودون في لبنان وغير القادرين على الخروج من البلد فعليهم البحث عن حل . ومجتمعنا قائم على التعاضد والدعم للذات ، فبدلاً من أن تنمو لدينا الغيرة والحسد والحقد لا بد من أن نعي لهذه الأمور، ونتجه للتعاون كعائلات  لمساعدة البعض الآخر .

–  يضرالفرد نفسه بالتفكير بالماضي والمستقبل، والأفكار السلبية وقلة الشغف. اذا شكل وقاية من البيئة حوله ، ما الذي يقيه من نفسه ؟

لا بد بداية من طرح السؤال ما إذا كان الفرد مدركاً لمشكلته، فبعض الأشخاص يمتلكون شعور العظمة ويرفضون تقبل مشاكلهم ويرفضون فكرة أنهم مأزومون، ظناً منهم أنهم ليسوا بحاجة للمساعدة. لذلك لا بد من أن يكون الشخص متواضعاً مع ذاته، كي يستطيع تقبل مشاكله وطلب المساعدة لمعالجتها.

إذاً، لا بد من أن نكون على يقين بأن المشاكل والضغوطات النفسية التي نمر بها يومياً ، هي جزء من الحياة. ولا حياة بدون حزن وضغوطات، وإن لم تذق مرارة الحزن فلن تشعر بقيمة السعادة. وعلى عكس ما تظن ، ليس من المفترض أن تكون الحياة بأكملها سعادة وراحة واطمئناناً. وإن رفضت تقبل الحياة بما فيها من ضغوط وأزمات، يؤسفنا أن نقول أنك هنا قد وقعت في المأزم الحقيقي.

تذكر ، أن نفسك المتشائمة والضعيفة وافكارك السلبية وقلة تقديرك لنفسك وعدم تقبل الذات والحياة بما فيها، هي العدو الوحيد لك. ولأنك وعندما تساند نفسك وتدعمها لتكون معك وليس ضدك، ستكون بألف خير.

انشر المقال
Scroll to Top