طلال سلمان.. وداعًا سفير العروبة

أحمد المالكي| كاتب متخصص في الشؤون الأمريكية والعلاقات الدولية والقضايا السياسية

منذ ايام غابت شمس رجل عاش في كنف بلاط صاحبة الجلالة سنوات عمره حفر في ذاكرة الصحافة اللبنانية والعربية اسمه بأحرف من نور انه طلال سلمان صاحب جريدة السفير الذي كانت بحسب كل من عرفها وكان من قراء هذه الصحيفة العريقة صوت من لا صوت له ورمز الشمس التي تشرق كل صباح على لبنان والوطن العربي.

طلال سلمان صحفي لبناني من مواليد ١٩٣٨ م بشمسطار في لبنان وبدأ عمله الصحفي في مجلة الحوادث اللبنانية وفي عام ١٩٦٢ م عمل في مجلة الاحد اللبنانية وفي عام ١٩٦٣ م اسس مجلة دنيا العروبة في الكويت وفي عام ١٩٦٥ م عمل في مجلة الصياد اللبنانية وفي عام ١٩٧٤ م اسس واصدر جريدة السفير اللبنانية وتولى رئاسة تحريرها وعاش الاستاذ طلال سلمان حياته الصحفية يكتب ويصول ويجول في بلاط صاحبة الجلالة مدافعا عن إيمانه بالعروبة وكان عاشقا للرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر وله علاقات قوية بشخصيات سياسية في الحكم وخارجه وكون صداقات معهم ودافع عن حرية الصحافة وحرية الكلمة والتعبير وتعرض لمحاولات اغتيال ظنا منهم إنهم يمكنهم اسكات صوت من لاصوت له لكنه ظل يكتب ويدافع عن افكاره ويناضل ويرفع راية السفير فوق كل المصالح والاعتبارات ولعبة المحاور السياسية والإقليمية وكل الذين اختلفوا معه اجمعوا على مهنية هذا الرجل وقدرته على صناعة كلمة بكل حيادية تنتصر للصحافة والصحفيين.

حياة الاستاذ طلال سلمان تحتاج إلى مجلدات لانه رجل كان صاحب علاقات كثيرة مع شخصيات تاريخية منهم من رحلوا والقليل منهم مازال موجودا لكن هناك حالة من الحزن تسود اوساط الصحفيين في لبنان وخارجه بعد ان غيب الموت الاستاذ طلال سلمان وتابعت كل ما كتب عنه في وسائل إعلام لبنانية وعربية ودولية وايضا كل مقالات الرأي التي نشرت في الصحف حول هذا الرجل ورغم ان المثل يقول ما عدوك الا ابن كارك لكن الاستاذ طلال سلمان اثبت العكس ان حبيبك ابن كارك حتى الذين اختلفوا مع هذا الرجل تذكروه في مقالاتهم وكتبوا عن الراحل كلمات جميلة ورثاء في وداع جندي من جنود بلاط صاحبة الجلالة في لبنان.

والبداية من جريدة الاهرام المصرية التي نشرت مقالا للكاتب الصحفي اسامة سرايا يقول فيه عن الاستاذ طلال سلمان كان له قلم لاذع وصاخب وأسلوب صحفي لا تخطئه العين وهو من الذين يؤمنون بالقضايا السياسية ويدافعون عنها حتى الموت .لقد عشنا نختلف وننظر دوما لطلال سلمان انه معاد لكل ماحدث في مصر في سنوات الرئيسين الراحلين السادات ومبارك منذ السبعينات الا قليلا من منظور ان مرجعية الرجل وصحيفته كانت الجماعات الناصرية واليسارية التي وصفت السادات وخليفته مبارك في موقع الاعداء حتى قضية السلام التي انقذت الشرق الاوسط كانت محل رفضهم وعدوانهم ولكنك لاتستطيع اي بالمهنية والصحافة ان تتناسى السفير وتأثيرها في لبنان وفي المنطقة العربية وقد تجمع حولها الكثيرون وفي الحقيقة كانت مهنية طلال سلمان تشفع له في الكثير من موضوعاته. اختتم الاستاذ اسامة سرايا الكاتب الصحفي مقاله في جريدة الاهرام رحم الله طلال سلمان صاحب السفير الذي كان صحفيا قديرا وصاحب قلم وقد احب وطنه لبنان كما احب مصر وآمن بأن دورهما ملتزم في المنطقة العربية.

مقال الاستاذ اسامة سرايا يؤكد ان هذا الرجل الذي عشق جمال عبدالناصر الزعيم خالد الذكر وعشق مصر له مكانة كبيرة في عقل وقلب كل مصري من الصحفيين والكتاب والمثقفين الذين عرفوا طلال سلمان بشكل شخصي او من خلال كتاباته التي وصلت إلى كل متابعين جريدة السفير التي توقفت عن الصدور عام ٢٠١٦ م.

من خلال متابعتي لكل ما كتب عن الاستاذ طلال سلمان وجدت مقالا في جريدة الشروق المصرية لكاتب مرموق من المملكة العربية السعودية وهو الاستاذ طارق فريد زيدان والمقال بعنوان: طلال سلمان.. هل ضيع عمره في الاوهام، وكتب الاستاذ طارق فريد زيدان عن قصة كفاح طلال سلمان وايضا علاقته مع امراء وملوك المملكة العربية السعودية قائلا تعرفت على الاستاذ طلال سلمان من خارج السفير والسفير هي النادي الكبير الذي انتمت إليه مجموعة عريضة من الصحفيين والكتاب والادباء .مازلت اتذكر حسرته عندما تناولت كتابات صحفي ما يصنف مفكرا كبيرا اليوم في الخليج العربي اشار الى ان هذا الكبير نفسيته صغيرة جدا ليكمل ان للقلم شخصية لابد وان تنكشف يوما ما. فعلا انكشف الصحفي شخصية الكبير واصبح بحجم نفسيته الصغيرة جدا.

وتحدث الاستاذ طارق فريد زيدان في مقال يرصد بعض المحطات من حياة الاستاذ طلال سلمان وكتب عن علاقة سفير العروبة بالمملكة العربية السعودية قائلا علاقته بالسعودية ظلت اسيرة المحاور المتقلبة في لبنان والعالم العربي .كانت سرا من أسرار الآلهة حتى جاء اليوم الذي باح فيه ابو احمد بعض خبايا هذه العلاقة كان ذلك في العام ٢٠١٨ بعد إغلاق جريدة السفير.

وذكر الاستاذ طلال سلمان خلال حديث له مع كاتب المقال الاستاذ طارق فريد زيدان معلومة حول الرئيس جمال عبدالناصر وتأسيسه معظم الصحف اللبنانية معددا منها الكفاح العربي والانوار والمحرر والأسبوع العربي وان هناك كانت طائرة مصرية تقلع ظهر كل يوم محملة بالصحف اللبنانية إلى القاهرة .
وبالعودة إلى علاقة الاستاذ طلال سلمان مع المملكة العربية السعودية والتي كشف عنها الكاتب السعودي طارق فريد زيدان في الشروق المصرية بمقاله عن الراحل قائلا إلى العام ١٩٧٥ إلى يوم العزاء بالملك السعودي فيصل بن عبدالعزيز الذي اغتيل في مكتبه كانت جريدة السفير قد ولدت قبلها بأشهر. ناهيك عن اشتعال صراعات عربية _عربية اخذت تنعكس سلبا على لبنان. ذهبت مع وفد من نقابة الصحافة اللبنانية إلى الرياض وجدت نفسي والكلام للاستاذ طلال جالسا في مجلس العزاء بين الملك سلمان أمير الرياض حينها والأمير طلال بن عبدالعزيز ثم دخل الاستاذ غسان التويني وقف امامهم مستنفرا وهو يقول لابناء الملك عبدالعزيز انتم من تحبون الا من يذكركم بسوء في إشارة إلى الصورة النمطية لجريدة السفير جاء الجواب من الامير سلمان مباشرة مشيرا بسباته إلى طلال سلمان قائلا هذا طلال ثم اشار الى نفسه وهذا انا سلمان.


ورصد الاستاذ طارق فريد زيدان رحلة اخرى للاستاذ طلال سلمان إلى المملكة العربية السعودية في عام ١٩٧٩ م غداة احداث الحرم المكي بدعوة من وزارة الإعلام السعودي والتقى طلال سلمان مجموعة من الامراء والمسؤولين السعوديين .ويضيف الاستاذ طارق فريد زيدان في مقاله قابل ولي العهد آنذاك الامير فهد بن عبدالعزيز امتد لقاءهما لاكثر من اربع ساعات واصفا الملك فهد بانه كان سريع البديهة وان المستمع عليه الانصات بعمق ثم اشار الملك فهد حين انتهاء الحواربأنه يريد تقديم هدية له فبادر الاستاذ طلال سلمان مجيبا بأنه يريد عباءة الامير البشت خلعها الامير فهد فورا وقدمها هدية لرئيس تحرير السفير ثوان معدودة قام بعدها طلال بارجاعها إلى الامير شاكرا له رمزية الهدية والعباءة.

واستطرد الاستاذ طارق فريد زيدان الكاتب الصحفي السعودي في مقاله بجريدة الشروق قائلا وفي تلك الزيارة ذاتها زار طلال سلمان الامير سلمان بن عبدالعزيز امير منطقة الرياض حينها .يتذكر ابو احمد ان اللقاء جرى في الرياض كان يتميز بتلك البساتين واشجار النخيل التي احاطت بهم من كل ناحية .وذكر الاستاذ طارق في مقاله كلمات تاريخية قالها الملك سلمان عندما كان امير الرياض للاستاذ طلال سلمان قائلا ياطلال نحن عرب .نحن ابناء هذه الارض وهذه الصحراء وهذا النخيل .نحن ال سعود لسنا مثل الملك فاروق ولسنا من الالبان يقصد البانيا .فهم الاستاذ طلال مغزى كلام الامير سلمان بأن العلاقة بين الرياض والعروبة لاتحتكرها قصة زعامة او حتى صحيفة هي علاقة تجذر وانتماء.

هذه هي العلاقة بين الاستاذ طلال سلمان والمملكة العربية السعودية والتي كشف عنها الاستاذ طلال بعد إغلاق السفير وكشف عنها الكاتب السعودي طارق فريد زيدان في مقاله بالشروق واكمل حديثه عن سفير العروبة الاستاذ طلال سلمان قائلا :دفع الاستاذ طلال سلمان ثمن مواقف السفير. تعرضت الجريدة للترهيب والترغيب اكثر من مرة ومن بينها عبوة ناسفة في عام ١٩٨٠ استهدفت مطبعتها ونجا منها صاحب محل خياطة من جيران السفير ذهب الجار الارمني إلى الاستاذ طلال سلمان شاكيا (انت استاذ بتكتب وفي حدا بيقرا وما بيعجبوا يلي ما بيعجبوا بدو يقتلك بيحط عبوة انت ما بيصير شي وانا كنت رح موت شوف استاذ انا قررت اترك البلد الك واله.

وتطرق مقال الاستاذ طارق فريد زيدان في مقاله بجريدة الشروق الى اهمية جريدة السفير التي اسسها الاستاذ طلال سلمان والتي انقذت شباب لبنان من الانخراط في الحرب الاهلية المدمرة وفتحت لهم صفحاتها وقدمت لهم سلاح القلم.

زاختتم الاستاذ طارق فريد زيدان الكاتب السعودي مقاله بجريدة الشروق عن الاستاذ طلال سلمان قائلا وفي الختام اقول ان بيروت قبل رحيل طلال سلمان شيئ وبعده شيئ اخر.

هذا المقال الذي كتبه الاستاذ طارق فريد زيدان يستحق الاهتمام و التقدير وكشف لنا ولكل محبي الراحل الاستاذ طلال سلمان وجريدة السفير محطات مهمة في حياة سفير العروبة وتاريخ لبنان الشقيق.

«بي بي سي» كتبت عن الاستاذ طلال سلمان رحل عن عمر ناهز خمسة وثمانين عاما تاركا ذاكرة متنوعة تزخر بمقالاته وكتبه ومقابلاته عن العالم العربي الذي واكبه صحفيا منذ خمسينيات القرن .قابل سلمان قادة رؤساء كجمال عبدالناصر وصدام حسين وروح الله الخميني وحافظ الاسد وحسن نصرالله كما صادق وزامل ادباء وشعراء واكاديميبن وصحفيين كمحمد حسنين هيكل ومحمود درويش وناجي العلي وسعدالله يونس.

ونشرت بي بي سي مقالا للصحفية مها زراقط تحدثت عن الاستاذ طلال سلمان وكتبت ابتكر زاوية شخصية له في جريدة الحوادث سماها شطحة مازحه حولها الرئيس المصري جمال عبدالناصر عندما صافحه سلمان خلال زيارة إلى دمشق سائلا إياه (ازاي شطحاتك).

الاستاذ طلال سلمان كان علم من اعلام الصحافة اللبنانية والعربية وتعرض رحمة الله عليه لمحاولة اغتيال امام منزله في بيروت فجرا تركت ندوبا في وجهه وصدره سبقها محاولات لتفجير منزله. وكتب عنه الاستاذ نصري الصايغ مقالا بعنوان طلال سلمان من عائلة الفينيق قائلا انت لست ميتا لأرثيك امثالك القلة لايموتون لذا سأخاطبك حيا ترزق . وكتب الاستاذ طلال حيدر :كل صباح كان يدخل إلى كل البيوت في العالم العربي ليقرأوه مع قهوة الصباح .ما كتبه طلال سلمان إنما كان يستشرف المستقبل ويقول للطغاة اسمعوا وعوا لكنهم كانوا صما عميا فهم لايفقهون.

وبعد كل هذه الكلمات في وداع الاستاذ طلال سلمان سفير العروبة اختتم هذا المقال الذي حاولت فيه رصد بعض مما كتب في الصحافة عن الراحل الذي غادر الدنيا منذ ايام قليلة بكلام عائلة الاستاذ طلال سلمان: خضراء كانت حياة الفتى النحيل الأسمر الذي لم يشتك يوما من هول الصعاب التي واجهته على امتداد ٨٥ سنة .خضراء طريقه، أزهرت على الدروب التي سلكها كلها متمسكة بالحب، حب الناس ومعهم لأجلهم مضى في طريق مكافحة الفقر والظلم والنضال في سبيل الحق .عاش فاتحا ذراعيه كحضن كبير ينهل بيد العلم واللغة والمعنى والنور وينشر بالثانية حبا وخلاصة وجدانه وفكره وحروفه بالصبر والدراية والايمان بالغد واجه اشواك الطريق كلها. على الطريق لم يعرف الفتى النحيل الاسمر الغربة في القرى والمدن والعواصم التي زارها كلها فبالحب حب الناس بالوانهم ومللهم كلها. عاش بقاعيا وجبليا وشماليا وجنوبيا وبيروتيا ومصريا وسوريا وعراقيا ويمنيا وقبل ذلك وكله فلسطينيا.

انشر المقال
Scroll to Top