جسم الطفل هل يتغيّر قبل وبعد الولادة؟…

الأمومة أمنية مقدّسة لكل أنثى، مهما بلغت من المسؤوليات والمخاطر والجهود البدنية والنفسية من النساء خلال فترة الحمل وأثناء  المخاض والولادة، وهذا الأمر يؤثر أيضاً على الطفل. فقد كشف بحث جديد عن كيفية تحول شكل رأس الطفل خلال الولادة الطبيعية، فعند تسجيل فحص الرنين المغناطيسي قبل وفي أثناء المخاض كشف الباحثون كيف تتغير عظام الجمجمة لتركب فوق بعضها البعض مما يسمح بتغير شكل الجمجمة بالكامل.

رأس الطفل يتحول ليصبح بشكل مخروطي مع قمة دائرية في نهايته ليمر من خلال عظام الحوض، ويتغير شكل المخ ذاته أيضاً في ذلك الوقت، ويعدّ هذا الانضغاط  للرأس أحد التغيرات الجسدية العديدة المذهلة التي تحدث في جسد الطفل في أثناء الولادة، وتبين أشعة الرنين المغناطيسي شكل دماغ الطفل قبل المخاض باللون الأرجواني وشكلها في أثناء المخاض باللون البرتقالي. وكما ان بعضاً من أنظمة الجسم تبدأ في التغير بالفعل داخل الرحم، فعلى سبيل المثال يخرج بول الجنين ليساهم في تكوين السائل الأمنيوسي الذي يحيط بالجنين في الجزء الأخير من الحمل، وهناك أعضاء أخرى تتطلب تغيرًا مفاجئًا في الدقائق الأولى بعد الوضع مثل تمدد الرئتين.

فالأطفال يمرون بتغيرات هائلة خلال المخاض والوضع، وينتقلون من بيئة الرحم المدعّمة الآمنة إلى الوجود المستقل في خارج الرحم. وهذه الأحداث البيولوجية ضرورية لتعزز من فرص بقاء الطفل على قيد الحياة في الدقائق الأولى له خارج الرحم، لكننا بشكل مدهش ما زلنا نتعلم الكثير من تلك التفاصيل. هذا ما قاله إيان رايت أستاذ طب الأطفال وبحوث صحة الطفل في جامعة “ولونجونج”.

وأوضح أنه قبل ولادة الطفل يمر الدم عبر المشيمة ليتخلص من الفضلات ويحمل الأوكسجين والمواد الغذائية التي تأتي من الأم للطفل، هذا الطفل النامي يتعرض لمستويات منخفضة من الأوكسجين في أثناء وجوده في الرحم. أما بعد الولادة فيتعرض الطفل لارتفاع مفاجئ وربما خطير في مستويات الأوكسجين، ويتطلب هذا التحول طرقًا مختلفة لحماية الطفل الرضيع، لذا يمتلك الأطفال أنظمة مختلفة للتعامل السريع مع هذا التدفق المفاجئ للأوكسجين. ويعد اليرقان المعتدل أي الاصفرار المؤقت لجلد الطفل نتيجة تأخر عمل أنزيمات الكبد وهي أحد طرق الحماية في الرضع. وهذه التغيرات الجسدية والتحولات البيولوجية والكيميائية في أنظمة الجسم مطلوبة للتعامل مع العالم الخارجي.

قبل الولادة تمر الدورة الدموية للطفل عبر المشيمة لكنها تتجاوز الرئتين، وبعد الولادة يتوقف تدفق الدم للمشيمة، وبدلاً من مروره من قلب الطفل إلى المشيمة يحتاج الدم لإعادة توجيهه خلال الرئتين اللتين تعرضتا للتوسع حديثًا. كما بعد الولادة يقوم الطفل بالعديد من المهام البيولوجية التي كانت تقوم بها المشيمة.

ويساعد البحث الحديث العلماء على فهم العلاقة بين أنفاس الطفل الأولى وتدفق الدم في الرئتين، وفهم تلك العملية في الدقائق الأولى يساعدنا على معرفة متى نقوم بالضبط بقطع الحبل السري، وكم الوقت الذي يحتاج فيه الأطفال المرضى أو المبتسرين الخدج للمساعدة في التنفس.

أثناء الولادة أحياناً قد تحدث مفاجآت، فقد لا تحدث جميع التغييرات التي يحتاجها الطفل ليكون مستعدًا للولادة، فعلى سبيل المثال، إذا ولد الطفل قبل أوانه فقد لا تحدث بعض التغييرات أو جميعها، قد يواجه الأطفال الخدج مشكلات في تمدد الرئتين، وربما لا تُغلق الأنابيب التي تعيد توجيه الدم إلى الرئتين، وهناك أطفال يواجهون صعوبة في تبادل الأوكسجين والغازات الأخرى داخل الرئتين. وكما أن هناك أجهزة أخرى مثل الجلد والأمعاء والنظام الكيميائي للجسم قد تكون غير مهيأة نسبيًا، ورغم ذلك يستفيد معظم الأطفال باستثناء الخدج، من زيادة فترة المخاض، فالتغيرات المرتبطة بالمخاض تعزز الإشارات البيولوجية التي تخبر الطفل بأن يستعد للولادة.

والاكثر غرابة أن أي انحراف ولو صغير عن الوقت الطبيعي للولادة نحو 40 أسبوعًا قد يكون له آثار سيئة، فالأطفال الذين يولدون من خلال ولادة قيصرية دون التعرض للمخاض لا ينتقلون إلى العالم الخارجي بسهولة كالأطفال الذين يتعرضون للمخاض. ويكونون أكثر عرضة لدخول وحدات حديثي الولادة لمشكلات التنفس حتى بعد ضبط عوامل الخطر الأخرى، فكل أسبوع قبل إتمام الـ 40 أسبوعاً يضاعف من مخاطر التعرض لمشكلات التنفس ودخول وحدات التنفس لحديثي الولادة.

تقوم توصيات الولادة الحاليّة بالموازنة بين مخاطر الولادة ومخاطر عدم النضج وعدم إتمام عملية الولادة مبكرًا من دون سبب طبي، ومن الممكن تغيير بعض تلك الآثار من خلال المنشطات، هذه المنشطات يصنعها الجسم بشكل طبيعي بما في ذلك الأطفال، وتسمى أيضًا تلك المنشطات بهرمونات الإجهاد، وهي ذات أهمية خاصة في ضمان نضج الرئتين عند الولادة.

في بعض الأحيان يتم إعطاء الأم بعض تلك المنشطات التي تخدع الطفل لإعداد خطة الهروب وإتمام نضج الرئة لتصبح مستعدة للولادة قبل الموعد، ويسعى الباحثون لاكتشاف إذا كانت هناك آثار صحية وتنموية طويلة المدى للولادة القيصرية التي تحدث دون المرور بمرحلة المخاض بالولادة الطبيعية.

لكن لماذا لدينا هذا النظام عالي الخطورة في الولادة حيث يضطر فيه الطفل لتغيير شكل جمجمته حتى يتمكن من الخروج؟

 يتم تعريف الجنس البشري من خلال أدمغته، وفي نوعنا هذا كانت عملية التطور بمثابة عمل متوازن، حيث يوضع في الاعتبار حجم المخ ونضجه مقابل مخاطر الإعاقة في أثناء المخاض. وبالنسبة لأطفال البشر فهم غير ناضجين نسبيًا مقارنة بالحيوانات القريبة منا مثلا، كالغوريللا، لكننا لا نستطيع تحقيق المزيد من النمو للمخ قبل الولادة، فبالنسبة لنا كبشر يجب أن يحدث هذا النمو الإضافي خلال السنة الأولى من ولادة الطفل.

ولأننا نسير بشكل مستقيم فقد أدى ذلك إلى ميل في الحوض مما أدى إلى ضيق قناة الولادة، تلك الفجوة في عظام الحوض التي تسمح بمرور الطفل، وما زالت الولادة عملية خطيرة، فإعاقة المخاض سبب رئيسي في وفيات الأمهات والأطفال، كما أن الأمهات الناجيات ترتفع لديهن مخاطر الإصابة بسلس البول.

يعد حجم الرأس والمخاطر المحتملة التي قد تصيب الأم والطفل سبباً رئيسياً في ظهور علم الولادة الحديث، ونأمل في أن يهدف مزيد من الأبحاث إلى فهم الموازنة بين تلك المخاطر، بالإضافة إلى البحث في كيفية خروج الأطفال من الرحم إلى العالم الخارجي مما يساعد في إدارة عملية الولادة بطريقة أكثر أمانًا، وسيؤدي ذلك إلى تحسين صحة الأم والطفل بشكل فوري وعلى المدى الطويل. وفقاً لما صدر في “ذي كونفرسايشن”.

انشر المقال
Scroll to Top