عامر خضر آغا
أضحت طبول الحرب تُقرع على أبعد مدى في الجبهة الجنوبية للبنان موّسعة قواعد الاشتباك بين الطرفين إلى حدٍ غير مسبوق منذ إندلاعها، بعد أن كانت محصورة بكيلومترات قليلة لتصل أخيرًا إلى صيدا والنبطية، بالتزامن مع إبلاغ الجيش الإسرائيلي وزارة الصحة الاستعداد للأسوء لاسيما بعد أن بادر حزب الله إلى ضرب منازل المدنيين في شمال إسرائيل منعًا لعودتهم. هي تراكمات خطيرة جعلت رئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هاليفي يعلن أن حدوث حرب في الأشهر المقبلة أعلى بكثير مما كان عليه في الأشهر الماضي.
أوعزت إسرائيل لواشنطن في أواخر كانون الاول وبحسب مصادر ديبلوماسية غربية ولبنانية، أنه إذا لم يتم التوصل إلى إتفاق طويل الأمد مع لبنان خلال الأسابيع القليلة المقبلة فإنَّ إسرائيل ستصعِّد قتالها مع حزب الله، مع إصراره على ربط توقف الحرب في الجبهة الجنوبية بتوقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وهو ما ردَّ عليه وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت بتحذير من أنَّ إسرائيل ستعيد الأمن إلى المنطقة بعمل عسكري إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق ديبلوماسي، وهو ما لا يرضى به حزب الله الذي لا يريد أن يفقد سبب وجود سلاحه كعامل ضغط إقليمي في المفاوضات للضغط على اسرائيل.
وأشار المحامي والمحلل السياسي أمين بشير لموقع حصرًا إلى أن، “أنَّ التهويل من الجانبين لا يعدو كونه خطابات رنانة، لأنَّ طابع الميدان تغير فلقد أصبحت الضربات العسكرية محددة الأهداف وبعمليات اغتيال لشخصيات معينة أكثر من كونها حرب عسكرية شاملة فهي تحولت إلى نوع آخر من الحروب الضيقة النطاق، وتوسيع الحرب له ارتدادات داخلية على حزب الله و الساحة اللبنانية معظمها ضد هذه الحرب، فهو لا يريد دفع أثمان أكثر مما يدفع الآن في الحرب، وعند التوقيع على ترسيم الحدود البحرية بضمانة أمريكية وضعت شركات عالمية بوجودها مليارات الدولارات بمنصات كاريش وغيرها ما يمنع أي خرق موسع يشملها في حال توسعت دائرة الحرب أكثر، إضافةً إلى وجود قرار أمريكي إيراني بعدم توسيع رقعة الحرب منذ أن تواجدت حاملات طائرات جيرالدفولد، وإنسحابها يؤكد أكثر على أنه تم ترسيخ الاتفاق أكثر بقرار مزدوج بعدم توسعة نطاق الحرب، وإيران تحرك أذرعها في المنطقة تبعًا لمتطلباتها في المفاوضات مع أمريكا و الإسرائيلي مصمم على لجر أمريكا إلى الحرب لأن نتياهو يريد تعويض خسارته السياسية بعد عملية طوفان الأقصى، إلا أنه لن يغامر بحرب لن يتمكن من تحديد نهايتها قبل انتخاب رئيس جديد في الولايات المتحدة الامريكية، والمستوطنين في الشمال الإسرائيلي لن يعودوا إلا بحل سياسي، وهي فرصة لاستراجاع كامل الأراضي المحتلة جنوب لبنان بالنسبة لحزب الله، وهو ما سيُطرح في المفاوضات القادمة مقابل تنازلات أخرى، كالوصول إلى مزارع شبعا بضمانة ألمانية او بضمانة الأمم المتحدة”.
إلتزم كل من إسرائيل وحزب الله بعد حرب تموز 2006، بقواعد الاشتباك وفحواها أن أي فعل سيقابله رد فعل بالطريقة نفسها، وظل الأمر على ما هو عليه في الأيام الأولى لاندلاع الاشتباكات على الحدود الشمالية مع إسرائيل، إلى حين تدخل الفصائل الفلسطينية في لبنان، وتنفيذها عمليات تسلل إلى داخل إسرائيل، فاتخذت الأمور منحًا تصاعديًا، إلا أنها لم تخرج عن الحد الملحوظ،حيث أنَّ هدف حزب الله إلى الآن تشتيت وإبعاد قوات الاحتلال عن غزة وتخفيف الضغط على الفصائل الفلسطينية فيها لعرقلة التوغل البري، آخذًا في عين الاعتبار عدم إثقال كاهل لبنان بالحرب المنهار اقتصاديًا وسياسيًا وشروع لبنان في أعمال التنقيب عن الغاز بموجب إتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، وأي استهداف إسرائيلي للحقول اللبنانية يعني تحميله مسؤولية حرمان لبنان من موارد الطاقة ولو في المستقبل البعيد، عدا عن أنَّ الحزب يحاول خداع إسرائيل، فالتزامه بالردع حتى الآن قد يكون هدفه جزء من خدعة لإعطاء الاحتلال شعورًا زائفًا بالأمان في انتظار إنخراط معظم القوات البرية الإسرائيلية في الزحف البري لتسديد أكبر ضربة ممكنة في الشمال، عندها لم تعد تنطلي على إسرائيل لعبة القط والفأر ما جعلها في الوقت الراهن تنقل مخزونها العسكري الى الشمال بدءًا للتحضير من أجل إنهاءها بحسب الدعاية الإسرائيلية.
لم يعد الرد الاسرائيلي مقتصرًا على الرمايات والعمليات الإعتيادية بل استهدف نقاط لوجستية لحزب الله كمخازن الزخيرة ومراكز الرماية والمسالك والمصانع لتستغل استهدافها هذا فتقوم بعملية واسعة بلبنان خاصةً بعد نشر صحيفة “يدعوت أحرنوت” بأن إيران ترسل صواريخ دقيقة لحزب الله ،إلا أنها ليست المرة الأولى، وما يفتقر اليه حزب الله هو أسلحة الدفاع الجوي، وإيران منذ 2021 تحاول نشر صورايخ مضادة للطيران بالتعاون مع الحزب ، وهو ما جعل إسرائيل تستخدم صورايخ أرض- أرض أكثر من صواريخ أرض- جو.
ولفت الخبير العسكري والاستراتيجي أمين حطيط لموقع حصرًا:”أنَّ الحرب الشاملة يمكن وضعها في إطار الحرب النفسية وحجب الإخفاقات الميدانية، والتي تشير إلى معنويات الجيش الإسرائيلي المتردية، إضافةً إلى ضعف التماسك في الجبهة الداخلية فعندما يهدد أحد المسؤولين الإسرائيليين يحاول بذلك إظهار قوته أمام جمهوره في أنه لا زال قادرًا على شن الحروب وأخذ قرار فيها، واستعادة ثقة الجمهور فيه ولإظهار قوته ضد العدو ،وإسرائيل بسلوكياتها تفاجأ بأعمالها لا تنذر مسبقًا بها ولا تهدد لكي يكون عملها منتج وآمن. والتهديد هنا بمثابة العجز عن التنفيذ خاصةً أنَّ الجيش الإسرائيلي هذه الفترة مثقلٌ بالجراح ووضعه في غزة غير مسبوق، بما تكبده من خسائر وبما وجِّه له من ضربة معنوية، وهو أيضًا يسعى للضغط ديبلوماسيًا عبر أمريكا على لبنان لتحصيل مطالبهم، لذا فإنَّ إحتمال انزلاق إسرائيل نحو الحرب ما زال ضئيل ، أما خسائر إسرائيل هي مؤقتة وحرب حزب الله ليست مفتوحة بل مرتبطة بالعدوان على قطاع غزة”.
يبرر حزب الله عدم رده بشكل حاسم في الحرب بسبب رهاناته على تحرير الاراضي التي ما زالت تحتلها إسرائيل جنوب لبنان .أما إسرائيل فلن تذهب إلى حرب شاملة مع حزب الله وهي محكومةٌ بضوابط ثنائية جيوساسية ، وبتقييدات أمريكية عسكرية في الاستيراد الدائم للذخائر الأمريكية.
المصدر: حصرًا