“هردبشت”.. آن الأوان أن تكون النهايات واقعية

خليل غصن

قد أوجِّه النقد إلى الممثل أو إلى الفنان أو إلى المخرج والكاتب… إلخ، ولكن بعيداً عن أي نَقد فني الذي يرجع الرأي فيه إلى مُختصّين سيَعمدون إلى الكِتابة مطولًا وسيعرضون رأيهم في الفيلم اللبناني “هردبشت” لمخرجه وكاتبه محمد الدايخ والذي أنتجته شركة “فينيسيا” لصاحبها أمير فواز، وشارك في بطولته كلٍّ من الممثل/ة: حسين قاووق – رندة كعدي – حسين الدايخ – محمد عبدو، وإلى جانبهم عدد من الممثلين اللبنانيين.


سأكتفي بالحديث عن الأثر الذي تركه فيلم “هردبشت” في نفسي، وعن الأفكار التي داعبت مخيلتي أثناء المشاهدة. لذا دعوني أدخل في صُلب الموضوع، في أعماق المواقف التي تخفي في باطنها رسالة قوية.

كُنت أشاهد إختصارًا لتاريخ الشعب اللبناني، الذي ولد يتيمًا ولا يزال الى يومنا هذا لا يعلم معنى تحمّل المسؤولية،فهو شعبٌ بارعٌ في إدارة حياته الفردية دون ان يُعطي للجماعة حقوقها.

قيل فيما مضى أن الدولة مبنيَّة على العقد الاجتماعي، والذي يقضي بتخلي كل فرد عن جزءٍ من حقوقه في سبيل تحقيق مصلحة الجماعة، إلّا أنّ هذا الشعب لا يفقه معنى هذا العقد ولا روحه.

بقيَ شعبنا منذ ولادته يواجه مشاكلًا من صُنع يَداه، من قراراتٍ يتخذها هو، من مبادئٍ كان قد وضعها يَسهل جدًا اختراقها و تجاوزها. بقي شعبنا يناضل في الأفكار التي تحمي غرائزه و شهواته. ونتيجةً لذلك، كان كلّما وجد حلًا لمشكلةٍ، وقع في مشاكل جديدة. وعند كثرة المصائب يضعف الإيمان، و تفسد الاخلاق، يسهل الكذب و تضيع الحقيقة بين مقتولٍ ومجرمٍ ومجنون.

أضحى شعبنا ضاحكًا، يحوِّل كلَّ تعاسته و بؤسه إلى طرفةٍ يضحك عليها، يحوِّل كلّ لَكمةٍ او صفعةٍ تأتي على وجهه الى دغدغة. يعتقد أنّ في كثرة الضحك كسرٌ لمرايا الواقع وسبيلٌ للتخلُّص من أعباء الحياة، ووسيلةٌ للتعاطي مع المسؤوليات.

لست أنتقد الضحك لطبيعته، ولست أنتقد الإبتسامة، إنما هي مشاعرٌ خُلقت لبعض المواقف و خُلقت مشاعرٌ أخرى لمواقف مختلفة. فحين تحتلُّ الواحدة مكان الأخرى، كأن نضحك في المواقف التي يجب أن نغضب فيها، نصبح أمام مشكلةٍ تعيق إمكانية إتخاذ القرارات السليمة. بالإضافة إلى ذلك فإنها تقسّي القلوب و تقتله، فلا مدحٌ يساهم في إستمرارية الناجحين، ولا ذمٌ يحرك خواطر المخطئين، ولا حزنٌ يلامس أفئدة المستمعين، فيعتبر كلُّ الكلام لهوٌ ولعبٌ، ولا مكان للجديّة بيننا.

وهذا ما وصل إليه معظمنا، متغطين تحت لحاف المسمّيات والعناوين التي تخفي الواقع الحقيقي، مثل: “شعب بحب الحياة”، “عيش كأنه ما في بكرا”، “ما حدا آخذ معه شي”. فقد أصبحت تلك العبارات نهجًا يعيش عليه معظم الشعب اللبناني، وفِكرٌ يناضل البعض من أجله. فلم يعد للتخطيط قيمة، ولا السعي في إيجاد مستقبلٍ أفضل لأنفسنا أولويّة. والضحية دائماّ هو المجتمع والبيئة التي نعيش فيها، فكما اسلفت بالحديث سابقًا، هي مشكلةٌ لا تقع على الأشخاص بإعتبارهم أفراد، إنّما بإعتبارهم شعبٌ أرهقته المشاكل.

وفي سبيل تحقيق الترابط بين الموضوع المطروح أمامكم وبين فيلم “هردبشت”، أتمنى أن تلاحظوا عند متابعتكم لهذا الفيلم الجميل، حالات القتل التي يكون التعامل معها باللامبالاة، واللامسؤولية، وبعدم التصديق وبالضحك. هذا وبالإضافة للمشهد الأخير في الفيلم، القهقهة التي تستمر مع البطل رغم تلقيه الضرب، رغم معرفته أنّ كلّ القرارات التي إتَّخذها لأجل البقاء على حافة الهاوية ما كانت إلّا لتدفعه نحوها.

تلك الخاتمة التي ستجعلك تتسآل حول صحّة البطل العقلية، ومنها إلى صحّة مجتمعنا. فليس الهدف منها أن تشعرك بالرِّضى، ولا أن تلبّي تمنيّات المشاهد بأن تكون نهاية سعيدة.

فقد آن الآوان حتى تكون النهايات واقعية، فليست السعادة دافعًا للتغيير. قد آن الآوان حتى نرى الأمور كما هي، لنفرق بين الخيال والواقع. قد آن الآوان لصياغة أساليب جديدة في الحياة، تعكس هويتنا و شخصيتنا كأفراد، وأن تكتمل فكرة المجتمع بمفهومها الكلي.

انشر المقال
Scroll to Top