عشرة أيام في المصح العقلي

سوف اتكلم في هذا المقال عن دخول الصحفية إليزابيث كوران عشرة أيام إلى مصح المجانين و معظم الأحداث قد أخذتها من فيلم “الهروب من مستشفى المجانين:قصة نيللي بلاي ” إنتاج سنة 2019 ، من إخراج” كارن مونكريف” ،كتابة “هيلين شيلدريس” ، بطولة “كريستيان ريكي ،و جوديث لايت ،و جوش بوومان” ، لكن قبل أن أدخل في القصة سأعرف بمن تكون إليزابيث كوران و كيف دخلت في عالم الصحافة.

إليزابيث جين كوشران المعروفة بإسم “نيلي بلاي” ولدت في الخامس من أيار سنة 1864 في “طواحين كوكران” في ولاية بنسلفانيا، من أبرز أعمالها الصحفية  هو دخولها إلى مصح عقلي يدعى بلاك ويلز و إدعائها الجنون فيه 1887, و من أشهر أعمالها أيضا نجاحها في قهر الكاتب الفرنسي الكبير “جول فرن “, و تفوقها على شخصية روايته “حول العالم بثمانين يوم” فيليس فوغ “, و تجول العالم خلال 72 يوما فقط .

بداية المشوار

بدأت مشوارها الصحفي عندما نشر عمود  في صحيفة “بيتسبيرغ ديسباتش” بعنوان “بماذا تنفع الفتيات”، الذي أفاد بأن الفتيات ينفعن بشكل رئيسي  بإنجاب الأطفال، و تدبير المنزل فقط، ما دفع نيلي لكتابة رد تحت إسم مستعار “فتاة يتيمة وحيدة”.فأعجب بها رئيس الصحيفة و نشر إعلانا يطلب فيه من كاتب الرد على العمود أن يعرف بنفسه و من هنا بدأت مشوارها الصحفي في صحيفة “بيتسبيرغ ديسباتش” و التي فيها كرست عملها الصحفي للدفاع عن حقوق المرأة و التعصب تجاه المرأة و إنتقاد سياسات معينة، و قامت بسلسلة من التحقيقات الإستقصائية في هذه الصحيفة ومنها الكشف عن الظلم الذي كانت تعاني منه النساء في المصانع.

لكن كتاباتها سببت الإزعاج للمسؤولين في المصانع ، حينها قرر رئيس الصحيفة بإجبارها على الكتابة في مواضيع تخص المرأة لكنه سرعان ما إستاءة من هذا العمل، و نقلت إلى المكسيك وأمضت ما يقرب نصف عام، في إعداد التقارير عن حياة وتقاليد الشعب المكسيكي، ونُشرت لاحقًا كتاب بعنوان  “ستة أشهر في المكسيك ” . و في 1887 بعد أن تركت صحيفة بيتسبيرغ غادرت إلى نيويورك ،و اتجهت إلى مكاتب الصحفي جوزيف بوليتزر صاحب صحيفة  “نيويورك وورلد”.

بعد سماع نيلي بأن هناك مشفى للأمراض العقلية  تدعى “بلاك ويلز”تعامل المرضى معاملة سيئة  و أن جميع الذين دخلوا إلى تلك المشفى لم يخرجوا لكي يتكلموا عن المعاناة التي واجهوها في الداخل, و لأنها فتاة ترفض كل أنواع الظلم ذهبت إلى مديرها و قالت له أنها لديها قصة تستطيع من خلالها أن تزيد عدد قرآء الصحيفة من 15000 قارئ إلى 150000 قارئ. وافق رئيسها على القصة و اتفقوا على أن تكون المهمة سرية.

لتعود حينها أنها ذاهبة في رحلة كي لا يفتقدها أحد. و من هنا بدأت رحلتها إلى “بلاك ويلز”.  حجزت نيلي غرفة في منزل مؤجر تحت إسم مستعار “نيلي بلاي”، و أخذت معها دفتر مذكراتها الذي كان عنوانه “آن آدلت مايند” حتى تستطيع أن تروي بأمانة الحياة داخل تلك الجدران، و ارتدت ثياب ممزقة ، و وسخة و توقفت عن الإستحمام و عن تنظيف أسنانها ،و في أول ليلة وصلت فيها إلى السكن بقيت مستيقظة طوال الليل، لتبدو بمظهر المرأة المضطربة واسعة العينين، وبدأت باتهام الساكنات الأخريات بالجنون وأخافت الكثير منهن ، و راحت تجول بالشوارع و تتصرف بجنون ، لم تستغرق الخطة كثيرا حتى قامات الشرطة بالقبض عليها و فحصها من ثم أرسلاها بالعبارة إلى جزيرة “بلاك ويلز”.

قضت نيلي 10 أيام داخل المصح العقلي و كانت شاهدة على جميع المعاناة و الجرائم الإنسانية التي كانت ترتكب بحق النساء في الداخل ،و عند دخولها إلى المصح أصبحت تتعرض لنفس الظلم الذي كان يمارس على المرضى الآخرون من قبل مديرة المصح بمساعدة ثلاث ممرضات، مديرة السجن كانت تحرمهم من أبسط حقوقهم ،أسوء طعام كانت تطعمهم ، و كانت تجعلهم يستحمون جميعهم في نفس الحوض، هذا عوضا عن الضرب القاسي الذي كانوا يضربوهم إياه إذا لم يقوموا بتنفيذ الأوامر، حتى حقهم بأن يمشوا براحة كانوا قد سلبوهم إياه حيث كانوا يقيدون أرجلهم بطريقة يكادون يستطعون المشي فيها كي لا يهربن من المصح>

نتيجة لهذه المعاملة هناك مريضة قامت بحرق نفسها لأنها لم تعد تستحمل القمع و الظلم الذي يمارس عليها. إكتشفت نيلي أن معظم المرضى داخل المصح هم ليس بمجانين لكن المعاملة و طريقة العلاج السيئة هي التي أصابتهم بالجنون. وبعد قضاء نيلي عدة أيام في المصح بدأت تبحث عن طريقة للهروب من المصح لكنها لم تستطع الهروب،و إذ تمكنت من تهريب رسالة من داخل المصح إلى حبيبها الذي لم يكن يعلم أي شيء عن مهمتها بالدخول إلى المصح. هنا بدأت الأجواء تتوتر أكثر فأكثر و الذي زاد الأمر سوءا أن خطتها كانت قد إنكشفت و علمت مديرة السجن الهدف من وراء دخولها إلى المصح>

لم يكن من المديرة إلا أن إتخذت قرارا بإغراقها و جعلها تفقد ذاكرتها تماما كي لا تستطيع أن تخرج من المصح و تبوح بالحقيقة ، و لكن من حسن حظ نيلي  أن حبيبها أتى إلى المصح في اللحظة التي كانوا يقدمون فيها على إغراقها و تمكن من إنقاذها و إخراجها من المصح و أخذت معها مذكراتها، و وعدت جميع النساء داخل السجن أنها سوف تقوم بروي قصصهم و نشرها في جميع أنحاء العالم.

خفايا “بلاك ويلز”

نشرت الصحف مذكرات نيلي و كانت تحت عنوان (خفايا “بلاك ويلز”:نيلي بلاي و لجوئها إلى جزيرة بلاك ويل)، و ألقت الشرطة القبض على مديرة المصح. و نشرت نيلي كتاب بعنوان “عشرة أيام في مشفى المجانين” ، هذا الكتاب قفز بنيلي إلى الشهرة بين ليلة و ضحاها، من ما جعلها أول صحفية مشهورة في العالم. كان فضحها يعتبر التقنية الأولى من نوعها في الصحافة الأمريكية ,و أدى ذلك إلى إصلاح عالمي للرعاية الصحية العقلية.

نتيجة مباشرة لتحقيق نيلي ، عقدت لجنة التحقيق الزراعية إجتماعا للنظر في الإنتهاكات التي كانت أرتكبت في جزيرة “بلاك ويلز” وفي نهاية المطاف أغلق المصح. تسمى جزيرة بلاكويلز اليوم بجزيرة روزفلت و تحولت إلى حي سكني يسكنه 12000 شخص. و بعد إندلاع الحرب في أوروبا و كفاح نيلي من أجل حقوق المرأة ، توفيت في مدينة نيويورك في عام 1922 ، بعمر ال 57 عام ، وفي عام 1988 دخلت “نيلي بلاي” قائمة المرأة الوطنية للمشاهير.

انشر المقال
Scroll to Top