لا تزرع بذورالبؤس.. فتحصد أشلاء السعادة

السعادة كلمة تشمل القناعة بكل ما أوتينا من خيرات خصّنا الخالق بها مهما بلغت من الحجم أو الشكل أو المضمون، وعندما لا نقتنع بواحدة منها نفقد تلك السعادة ونفتش عمّا يرضي رغباتنا ظناً منّا أننا سنحصل على المزيد من المتعة، ولكن في الحقيقة نكون قد خسرنا الأساس ونغرق في متاعب الحياة. ومن الأمثلة الملموسة كانت رواية اسمها “شجرة البؤس” وهي من أجمل الروايات التي كتبها الأديب الكبير طه حسين. وهي تحكي قصة شاب وفتاة تزوجا عن طريق أهلهما الذين كانت تربطهما ببعضهما صداقة متينة وعلاقة عمل .

كانت الزوجة شديدة القبح بالشكل، وعلى الرغم من ذلك فإن الزوج كان يعشقها ويخلص لها، فلا ينظر نحو امرأة سواها، ولم يفكر يوماً بالزواج من غيرها، كانت هي دنياه الجميلة الهادئة، ولم يتذمر يومًا من قبح زوجته الشديد، بل ربما لم يخطر بباله يوماً أنها قبيحة، فهو يحبها بشدة لانها تمثل له السكون والمودة والرحمة والتراحم ولم يفكر يومًا ان كانت جميلة او قبيحة فهو يحبها لأنها زوجته وهذا كافٍ بالنسبة له.

حملت الزوجة وكانت شهور الحمل غنجاً ودلالاً لها إلى أن أنجبت طفلة تشبهها في قبحها الشديد، ومع ذلك كانت فرحة الزوج عارمة لأن الله رزقه إبنة. فصارت قرة عينه وشغله الشاغل، وأغدق الأب على ابنته الدلال والمحبة والرعاية التامة، وخبأهما بقلبه ورموش عينيه هي وأمها، ولم ينقصهما أي شيء وعاش الزوجان وطفلتهما سعداء.

إلى أن حملت زوجته مرة أخرى وأنجبت طفلة أيضاً، ولكنها هذه المرة كانت فائقة الجمال،  وللمرة الاولى انبهر الزوج بما لم يره من قبل!. فهو لم يرَ الجمال من قبل فأنارت له طفلته الجديدة عينيه ولاحظ  للمرة الاولى كم أن زوجته شديدة القبح هي وابنته الأولى مقارنة بطفلته الثانية، ومنذ تلك اللحظة بدأ يزرع بذرة البؤس في بيته حتى نمت شجرة البؤس فيه وغيمت هماً ونكداً في حياته.

فهجرته السعادة التي كانت تملأ قلبه وبيته، ولم تعد زوجته الحبيبة بشكلها القبيح ترضيه وأصبح ينفر من طفلته الأولى شبيهة زوجته وهو ينظر لطفلته الثانية الجميلة. وأخذت تكبر شجرة البؤس وتنمو يوماً بعد يوم في بيته، وتنتهي القصة باستمرار بؤس تلك الاسرة عندما تحل على الزوج لعنة المقارنة بين طفلتيه فيبدأ بالتفريق في المعاملة بينهما ويتغير بمعاملته مع زوجته التي لا ذنب لها سوى أنها ولدت طفلة تشبهها في قبحها وطفلة فائقة الجمال.

السعادة هي القناعة وأن كل انسان يصنع سعادته بنفسه عندما ينظر دائماً إلى الجانب المشرق فى كل أمر في حياته.. وعندما يرضى بما قسمه الله له ويتعامل معه على أنه أفضل شيء، ذلك الزوج فقد السعادة في اللحظة التي تخلى فيها عن رضاه بما يملك، زوجته قبيحة الشكل، ولكنها صالحة وطيبة، وابنته قبيحة أيضاً ولكنها تحبه وقد يجدها هي الفضلى بآخر عمره.

لم ينظر للحظة إلى نعمة الخالق عليه ونسيّ بأنه أكرمه ووهبه طفلة ثانية جميلة، بل تعامل معها على انها اظهرت له شيئاً ينقصه فنغص عليه حياته، ونسي أن هناك أشخاصاً كثراً غيره يتمنون طفلاً، والله يقسّم الأرزاق للناس ولم يعطِ أحداً كل شيء. ليساعد الناس بعضهم .فإن كنت تبحث عن السعادة فكف عن المقارنة بين ما تملك وما لا تملك. وكف عن أحصاء ما يملكه غيرك وغير موجود عندك، وابدأ في عدّ ما منحه الله لك، واقتنع به أو اعمل على تحسينه قدر ما تستطيع  قبل نبذه. فالقناعة في حدّ ذاتها فضل ونعمة وكنز لا يُفنى.

انشر المقال
Scroll to Top