“هردبشت”.. مرايا بيئة مهمشة!!

أحمد ترو

لا ينعزل الإنسان عن بيئته، إذ أنها العامل الأساسي في نشأة كلّ منا، نكتسب خيرها وشرها، عاداتها وتقاليدها، ومنها نشق طريقنا نحو الحياة، والجهاد في سبيل غسل شوائبها عنّا ليس بالأمر اليسير، وخاصة إذا كانت هذه البيئة تعاني ما تعانيه من تهميش وفقر مدقع ومأساة لا نهاية لها تدفع بابنائها بالمضيّ نحو مسارات اختاروها مرغمون، والرجوع عنها أمر قد يستحيل تنفيذه.

من هنا تنطلق قصة الفيلم اللبناني “هردبشت” الذي حمل على عاتقه مسؤولية ترجمة واقع البيئة اللبنانية في المناطق التي يرزح أهلها تحت خط الفقر، وكانت منطقة الأوزاعي هي المرآة، إذ دخلنا إلى أحد بيوتها الذي يعيش أهله صراع مستمر على مدار اليوم بين الأشقاء الثلاثة (حسين قاووق – الأخ الأكبر، حسين الدايخ – الأخ الأوسط، محمد عبدو- الأصغر) ووالدتهم (الممثلة القديرة رندا الكعدي)، ومن هذا البيت تفرّعت روابط جديدة-جريئة في الطرح تناولت شتى المواضيع: تجارة المخدرات – فساد أفراد بالدولة – احتيال التجّار – الخيانة الزوجية – جرائم القتل).

“هردبشت” هو أوّل تجربة سينمائية لفيلم طويل بعدسة مخرجه وكاتبه محمد الدايخ الذي نجح في تصوير المشهد اللبناني بواقعيته من دون مبالغة أو نقص في التوصيف أو بخل بالإضاءة على مواضيع عدة استوحاها من واقع البيئة التي نشأ وترعرع بزواريب أحيائها، ليختار لاحقا اسقاطها على الورق، من ثمّ يُخرج بها رائعة سينمائية يبدأ عرضها في صالات السينما ابتداءً من الخميس 13 نيسان.

“هردبشت” ليس تنميطًا للبيئة الشيعية!

منعًا لوضع الفيلم بخانة تنميط البيئة الشيعية يقول بطل الفيلم حسين قاووق في حديثه ل “حصرًا”: تناول الفيلم البيئة الشيعية لواقعية المنطقة (الأوزاعي). لكنه ينقل المعاناة نفسها لأي بيئة مهمشة من اي طائفة كانت، سواء طرابلس او صيدا او بيروت او البقاع” لافتًا أن، “موضوع التنميط اصبح شمّاعة لمن يريد المهاجمة، فالفيلم يوضّح مسؤولية الدولة تجاه إيصال هذه البيئة لهذا النوع من التهميش الذي يفتح لساكنيها أبواب الوقوع في الاخطاء”.

وفي السياق نفسه، يقول حسين الدايخ (عباس-أبو الفضل)، “الفيلم يشبه البيئة المهمشة لا يختلف بين شيعية أو مسيحية، فهذا الواقع موجود في كولومبيا كما في الأوزاعي، ونظرًا لأننا أبناء هذه البيئة نحن صنعنا “هردبشت” “.

اما فيما خص عنصر “الدرك” الفاسد، يوضّح قاووق أن السينما تتحدث عن أفراد، وحين نقول أن هذا العنصر “عاطل” هذا لا يعمّم على المؤسسة ككل، مشيرًا: إذا حسين “مش منيح” ليس بالضرورة أن تكون كلّ منطقة الأوزاعي “مش منيحة”، ف “حسين” من اختار هذا الطريق واستغلّ ظروف منطقته البعيدة كلّ البعد عن الدولة”.

الدايخ: “اللي بدو ينزعج في ينزعج هالقد حجما!”   

في سياق الحديث عن المشاهد الحميمية التي تضمنها الفيلم، والتي غالبًا ما تثير جدلًا واسعًا ينقسم بين مؤيد ومعارض عند عرض أي فيلم عربي، يقول “قاووق”: لا يوجد حدود بالفن ونحن نُقّال للواقع، ونريد إيصال العلاقة التي وقعت بين حسين وجارته، ولو لم يكن هناك فائدة درامية لما تطرقنا لها”، مؤكدًا أن “كل ما ورد بالفيلم كان من الضروري الإشارة إليه”.

وهذا ما أثنى عليه الممثل غبريال يمين حيث أشار إلى أن السينما اللبنانية تحتوي على مثل هذه المشاهد منذ زمن بعيد وهذا واقع لا أحد يستطيع تغييره.

وفي هذا الصدد يقول حسين الدايخ، نشاهد الأجانب في مشاهدهم الحميمية، مشيرا إلى مسلسلات أجنبية مثل: (ايليت – ناركوس – فريندز ويذ مان) تحتوي لقطات جنسية من بدايتها حتى نهايتها ولا مشكلة لدينا بمتابعتها أما حين يتعلّق الأمر بنا يمتعض الجميع.. “اللي بدو ينزعج في ينزعج هالقد حجما”.  

قاووق يكسر شخصية “العلوية”!

اشتهر قاووق بشخصية “علي العلوية” الناقدة بأسلوب كوميديّ واقع البيئة اللبنانية لا سيما منطقة الضاحية الجنوبية التي تمتدّ جذوره منها، وصدح صوت “العلوية” في الشارع اللبناني لواقعيته وخفة دمه، في المقابل لم تسلم الشخصية من انتقاد من يرى أنه لا يعكس واقع البيئة بموضوعية.

على مدار السنين، شهدنا العديد من الممثلين الذين واظبوا على تقمص شخصية واحدة اشتهروا بها ومع مرور الوقت تفقد بريقها أو تسطع أخرى لممثل آخر فتطمسها، وفي هذا الصدد كشف “قاووق” ل “حصرًا” أنه توقف عن تقديم “العلوية” وكسرها في “هردبشت” وهو يتطلّع نحو شخصيات جديدة لتقديمها.

انشر المقال
Scroll to Top