كتب زياد شبيب في “النهار”:
سمع اللبنانيون النقاش الذي أثير أخيرًا حول مطالبات الدولة اللبنانية للمنظمات الدولية المعنية باللاجئين في لبنان، أي منظمة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) ومفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين المهتمة بالنازحين السوريين، بدفع قيمة الطاقة الكهربائية المستهلكة من اللاجئين أو النازحين والتي بلغت نسبتها 20 بالمئة من إجمالي الاستهلاك. وقد بدا للبعض أن المطالبة تعبّر عن جرأة من قبل سلطات لبنانية لم تعتد التصرف من منطلق السيادة والحقوق الوطنية أمام تلك المنظمات أو الدول التي تقف خلفها وتحكم عملها عبر التمويل الذي توفره لتحقيق أهدافها المعلنة إنسانية.
في هذا المجال كما في مجالات كثيرة تظهر الحاجة إلى توضيح المفاهيم الأساسية، كي تظهر للرأي العام حقيقة الموقف القانوني الذي على لبنان أن يقفه منذ البداية في هذه المسألة.
المرافق العامة يُصنَّف بعضها بأنه ذو طبيعة إدارية، كالتعليم والأمن والعدالة، والبعض الآخر يُعتبر مرافق عامة ذات طابع إستثماري، صناعي أو تجاري. وبشكل عام يشمل هذا النوع الأخير القطاعات التي تُنتج سلعًا أو خدمات توفرها الجهة التي تدير المرفق العام الاستثماري، مقابل ثمن يدفعه المنتفع من الخدمة ويسمّى هذا الثمن “تعرفة”، وهذا ينطبق على خدمات #الكهرباء والاتصالات والمياه وسواها. هذا النوع يشبه القطاع الخاص من حيث طبيعة نشاطه والعلاقة التي تربطه مع المنتفعين من خدماته، وإن كان في الوقت نفسه مرفقًا عامًا.
مؤسسة كهرباء لبنان هي مؤسسة عامة تدير مرفقًا عامًا استثماريًا. وبسبب طابعها الاستثماري، يُستبعد مبدأ المجانية في عملها، وتتقاضى التعرفات المقابلة للكمية المستهلكة من الطاقة، والتعرفة يفترض بها أن تغطي كلفة الكهرباء على الأقل. وعلى المؤسسة أن تقطع الخدمة عن المشترك أو المنتفع الذي يمتنع عن تسديد المستحقات المترتبة بذمته وأن تقوم بتحصيلها.
المرفق العام الاستثماري تحكمه مبادئ ترعى عمله وترعى علاقة الجهة التي تتولى إدارته بالمنتفعين من الخدمة التي يوفرها. وأهم هذه المبادئ مبدأ الاستمرارية ومبدأ المساواة بين المنتفعين. وإذا كان مبدأ الاستمرارية غير محقّق بسبب العجز المزمن عن تأمين الطاقة بالقدرة الكافية للمشتركين، فإن أضعف الإيمان أن يبقى مبدأ المساواة بين المشتركين محقّقًا بحيث لا يُعامل بعضهم معاملة أفضل من بعضهم الآخر خلافًا للقانون عبر التشدد في التحصيل من البعض والتهاون فيه من البعض الآخر.
إن مؤسسة كهرباء لبنان ليست منظمة إنسانية أو جمعية خيرية وليست بالتالي معنية أو ملزمة بأي شكل من الأشكال بتأمين الطاقة الكهربائية المجانية لأي شخص كان، أكان لبنانيًا أم غير لبناني. وإذا كانت عاجزة أو غير راغبة بجباية كامل ما يترتب لها من تعرفات، فإن قرار تزويد أي كان بالطاقة من دون تركيب عدادات وتحصيل المبالغ المترتبة على الاستهلاك المحقق، هو قرار مخالف للقانون في ظل هذه المبادئ التي تحكم عمل المرفق العام الاستثماري، مهما كان مصدره، على مستوى مجلس إدارة المؤسسة أم الوزارة أم الحكومة.
المنظمات الدولية المعنية باللاجئين أو النازحين غير معفاة أصلًا من تعرفات استهلاك الطاقة الكهربائية أو من أية رسوم أو تعرفات أخرى تترتب عليها أو على موظفيها في مقابل خدمات تقدمها المرافق العامة، رغم تمتعها بالحصانات والإعفاءات التي تقرها لها الاتفاقيات الدولية (المادة 23 من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية للعام 1961)، ولا يمكنها أن تعفي اللاجئين أو أن تتهرب من مسؤولياتها تجاههم.
أمام هذا الوضع، لتعتبر مؤسسة كهرباء لبنان تلك المنظمات مدينةً بالمبالغ المترتبة عن هؤلاء النازحين أو اللاجئين ولتطبق الأصول القانونية في تحصيلها منها.