تراوح الأزمة الرئاسية مكانها من دون إحراز أي تقدم لإخراج البلاد من مأزق الشغور في قصر بعبدا الذي مضى عليه 11 شهراً، وما زال طرفا النزاع يتبادلان الاتهامات بالتعطيل والتأخير، ففريق الثنائي الشيعي وحلفاؤه يحمّلون المعارضة مسؤولية تأخير الاستحقاق الرئاسي بسبب رفضها الدعوة إلى الحوار فيما المعارضة تعتبر هذا الحوار «مضيعة للوقت ومخالفة للآلية الدستورية لانتخاب الرئيس» رافضة «أن يكون ثمن انتخاب رئيس الاستسلام لمشيئة حزب الله».
وإذا كان البعض يعوّل على جولة الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان للدفع في اتجاه الحوار خصوصاً أن المسؤول الفرنسي في اليوم الأول لجولته تبنّى وشجّع على تلبية دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري لحوار لمدة سبعة أيام ينتهي بعقد جلسات انتخاب متتالية حتى انتخاب الرئيس، فإن المعلومات تفيد عن استياء فرنسي مما آلت إليه نتائج زيارة لودريان الثالثة في وقت تسعى باريس لتحقيق إنجاز في مكان ما بعد سلسلة الاخفاقات التي اصطدمت بها في القارة الأفريقية. ولم يخف لودريان أمام من التقاهم أن عقبات تعترض وصول رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية بصفته مرشحاً مدعوماً من الثنائي الشيعي بموجب فيتو أمريكي سعودي، ولذلك طرح الذهاب إلى خيار ثالث غير فرنجية والمرشح جهاد أزعور. وكان لودريان يعبّر عما وصله من اللجنة الخماسية التي تضم الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وقطر ومصر من رفض السير بخيار بتسوية فرنجية رئيساً للجمهورية مقابل رئيس حكومة للمعارضة، كما كان يعبّر صراحة عما سمعه من المستشار في الديوان الملكي السعودي نزار العلولا الذي حمل إليه كلمة السر من الرياض وهي أن «انتخاب فرنجية يُعتبر انتصاراً لحزب الله على حلفائهم». وليست اللجنة الخماسية أيضاً في وارد السماح بإهداء إيران مثل هذا الانتصار لمرشح الممانعة، ما يعني أن رهان الثنائي الشيعي على تدخل فرنسا لصالح فرنجية وفرضه على القوى المسيحية انتهى.
وقد برز التباين في اجتماع اللجنة الخماسية الأخير في نيويورك والذي حال دون التوافق على صدور بيان، وبدا أن فرنسا التقطت الإشارات بأن ليس من مصلحتها التودد لحزب الله ولا تبنّي حوار الرئيس بري «المبتور» في مقابل مشاكسة واشنطن والرياض والدوحة وكلها عواصم ترفض المقايضة التي سبق لخلية الإليزيه أن طرحتها بالاتفاق مع الثنائي الشيعي وفشلت في تسويقها في الداخل اللبناني بسبب الجبهة القوية من الأحزاب المسيحية على اختلافها سواء القوات اللبنانية أو التيار الوطني الحر أو الكتائب إضافة إلى «اللقاء الديمقراطي» الذي ربط موقفه بغطاء مسيحي من أحد هذه الأحزاب، واختار التموضع خلف ترشيح النائب ميشال معوض بداية ثم خلف ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور.
فهل تفتح هذه النتائج الباب أمام نزول الثنائي الشيعي عن الشجرة والتخلي عن تمسكه بترشيح فرنجية أم ينتظر من رئيس «المردة» أن يفهم الرسالة وينسحب بهدوء؟
حتى الساعة لا تغيير في رهان الثنائي الشيعي على فرنجية، علماً أنه يحاول اصطياد بعض الأصوات لصالح دعم مرشحه ويمتنع الرئيس بري عن الدعوة إلى جلسات في انتظار تبيان البوانتاج لصالح رئيس «المردة» وامكانية رفع رصيده من 51 صوتاً إلى 65 صوتاً. ومن هنا تأتي قنوات الحوار التي أعاد حزب الله فتحها مع التيار الوطني الحر علّها تنجح في استمالة رئيس التيار جبران باسيل كي يوجّه أصوات نوابه الـ 16 لصالح فرنجية، غير أن هذا الحوار الذي تعترضه عثرات لا يوحي بأنه سيصل إلى ما يبتغيه الثنائي خصوصاً أن باسيل بات يدرك أن قواعده باتت غير مرتاحة لسلوك حزب الله الأخير في التعاطي مع التيار وإدارة الظهر له وتأمين النصاب لجلسات مجلس الوزراء إضافة إلى تمنين التيار بأن 6 من نوابه لم يكن ليصلوا إلى البرلمان لولا أصوات الحزب، ويعتبر أن التحالف مع الضاحية الجنوبية وتغطية السلاح كان ثمنه مكلفاً وهو تراجع شعبية التيار في الشارع المسيحي الذي كان في المرتية الاولى من حيث التمثيل المسيحي في دورات 2005 و2009 و2014 قبل أن يتراجع إلى المرتبة الثانية لتحل القوات اللبنانية في المرتبة الأولى. وإذا كان رئيس التيار يناور في حواره مع حزب الله لتقطيع ولاية قائد الجيش العماد جوزف عون، فإن اللافت كان محاولة الثنائي الشيعي إحداث «نقزة» لدى باسيل لحسم موقفه من الالتحاق به والتصويت لفرنجية من خلال طرح سؤال ماذا لو انسحب فرنجية وأيّد ترشيح قائد الجيش؟ ومن المعلوم أن رئيس «كتلة الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد التقى بقائد الجيش ثم زار فرنجية من دون أن يرشح ما تم تداوله في هذين الاجتماعين مع نفي أن يكون رعد فاتح فرنجية بتخلي الحزب عن ترشيحه وتوجهه نحو العماد جوزف عون.
يبقى أن حزب الله الذي يشعر بخيبة كبيرة جراء صلابة موقف المعارضة خلافاً لما كان عليه الوضع قبيل انتخاب العماد ميشال عون رئيساً عام 2016 بات يفتقد إلى حضور رئيس «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري لأنه يعتبر أن الحريري ما كان ليتردد في السير بخيار فرنجية وتأمين أرجحية سنية لانتخابه تحت شعار «الحفاظ على السلم الأهلي». وعليه فإن الحزب الذي فرض توازنات وطنية جديدة بعد اجتياح بيروت في 7 أيار/مايو باللجوء إلى استخدام سلاحه، يرى نفسه عاجزاً عن فرض إرادته على سائر اللبنانيين من خلال «جلبهم» بالترغيب إلى الحوار، فهل يُضطر لفرض إرادته عليهم بالترهيب واستخدام فائض القوة؟ وهل الحوادث المتنقلة من عين إبل إلى عوكر تندرج في إطار هذه الرسائل؟
المصدر: القدس العربي| الكاتب: سعد الياس