Hugh Fleming فلاح بسيط اسكتلندي الأصل، كان يسترسل بالتفكير بمصير ولده الأصغر Alexander Fleming، المولود في مدينة لوخفد باسكتلندا عام 1881.
ويطمح بتأمين مستقبل آمن له، كتعليمه في الجامعات لكي ينال عملاً جيداً.
وكانت الغصّة في قلب هيو الأب كبيرة.
إذ ليس باليد حيلة فحالته المادية كانت صعبة وبالكاد تكفي لمعيشة أسرته. ومع ذلك شاء القدر أن يحقق أمنياته لولده الكسندر، وأن يهبه فرصة ثمينة على طبق من الإنسانية.
فبينما كان الأب هيو فليمنغ في أحد الأيام يحرث حقله، سمع نباح كلب من جهة البحيرة، فارتابه الأمر، وشاهد طفلاً صغيراً انزلقت قدمه في بركة مياه واحلة.
فسارع الخطى لإنقاذه، عرف فيما بعد من والد الطفل اللورد الثري الذي فاجأه بالزيارة إلى الحقل.
بأنه أنقذ إبنه الوحيد، وأراد أن يرد له الجميل بمكافأة وهي تعهّد منه برعاية ابن الفلاح الصغير الكسندر وتعليمه ﻭﺗﻮلي كافة ﻣﺼﺎﺭﻳفه حتى ﻳﺼبح رجلاً متعلماً ونافعاً لبلاده.
لم يصدق ﻓﻠيمنج الأب للوهلة الأولى أن حلمه أصبح حقيقة ملموسة وسيتعلم ابنه في مدارس العظماء. فأرسله إلى المدرسة، حيث أثبت الطفل نبوغاً وتقدماً في علم الأحياء، وبالفعل تخرج يمنج ﺍﻟﺼﻐﻴﺮ ﻣﻦ ﻣﺪﺭﺳﺔ ﺳﺎﻧﺖ ﻣﺎﺭﻱ ﻟﻠﻌﻠﻮﻡ ﺍﻟﻄﺒﻴﺔ.
وأصبح عالماً كبيراً بالطب وهكذا لعبت الصدفة دورها في تحويل مستقبل طفل صغير من الفلاحة إلى شاب مثقف أكمل دراسته في لندن، وتخصّص في علم الجراثيم والبكتيريا. وأصبح السير ألكسندر فلمنج طبيباً وعالم ميكروبيولوجي، وأحد رواد الطب بالقرن العشرين.
التحاقه بالجيش
التحق الكسندر فليمنج بالجيش في الحرب العالمية الأولى، وعمل طبيباً ضمن تخصصه، وخلال تداوي الجرحى لاحظ أن المطهرات تؤذى خلايا الجسم أكثر مما تسببه للميكروبات من أذى. واستمر في عمله حتى انتهت الحرب، فعاد فليمنج عام 1922 ليواصل البحث في مختبره الخاص حتى توصل إلى اكتشاف مادة يمكنها أن تقضي على بعض الميكروبات. وكانت عبارة عن مادة طبيعية يفرزها جسم الإنسان.
وتتكون من اللعاب والدموع، وأطلق على هذه المادة المكتشفة اسم “ليسوزم”، ولم تكن لها أي أضرار جانبية.
وكانت قادرة فعلاً على القضاء على عدد من الميكروبات، لكن ذلك لم يكن كافياً، فهناك الكثير من الميكروبات الأخرى. التي لم يكن لهذه المادة القدرة على مواجهته.
وبذلك لم يكن لهذا الاكتشاف قدر كبير من الأثر من الناحية العملية. على الرغم من أنه تأكد من خواصها القادرة على قتل بعض الميكروبات.
تجالرب البكتيريا
وأثناء إجرائه تجارب على بكتيريا الهواء في طبق مكشوف فيما يعرف بمزرعة بكتيرية، حدث خطأ أدى إلى كشف ثوري.
فقد ترك الكسندر الطبق عارياً بعد الانتهاء من تجربته، وبعد مرور يوم وبضع ساعات لاحظ العَالِم بالصدفة ذوبان البكتيريا وتسممها حول فطريات مزرعته.
ليستنتج إفراز تلك الكائنات الدقيقة لمادة كيميائية قادرة على مقاومة الزحف الفطري، غير سامة، ولا تلحق بالإنسان أو الحيوان أي ضرر.
وقد أطلق عليها السير الكسندر فليمنج اسم Penicillin أي العقار المستخلص من العفونة. وذلك بعد اكتشافه في 15 سبتمبر 1928 والذي تم اعتباره كأعظم إنجاز في المجال الطبي في القرن العشرين.
وكان هذا الاكتشاف حجر الأساس لتطوير المضادات الحيوية، والتي لعبت دوراً كبيراً في إنقاذ حياة الملايين من البشر حول العالم، إذ تساعد هذه المضادات الحيوية على علاج الالتهابات البكتيرية.
وبدون استخدامها قد تصبح هذه الالتهابات قاتلة ومميتة، كما ساهمت المضادات الحيوية في إجراء العمليات الجراحية بطريقة أكثر أماناً.
وبالتالي استحق ألكسندر فلمنج لقب “والد المضادات الحيوية” عن جدارة. وقد عرف فليمنج قيمة اكتشافه العظيم، وكان واثقاً أن للبنسلين فوائد طبية كبيرة، فسارع إلى نشر أبحاثه هذه في العام 1929.
ومع ذلك فإن فليمنج، لم يستطع استخلاص تلك المادة التي أطلق عليها أسم “البنسلين”. وفي عام 1930 تنبه الباحثان البريطانيان هوارد فلوري وآرنست تشين، لأبحاث فليمنج المنشورة حول البنسلين، وقررا إعادة إجراء التجارب المعملية.
لينتهي عملهما بإثبات الأهمية العظيمة للبنسلين، وإمكانية استخدامه في المجال الطبي على نحو واسع وكبير الأثر.
بعد ذلك، حظي استخلاص مادة البنسلين باهتمام الجميع، فتسابقت الشركات الطبية لإنتاجها بكميات كبيرة جداً، وكان للحكومتين البريطانية والأمريكية دورهما في هذا المجال. وبعد مرور وقت قليل.
أصبحت مادة البنسلين، بفضل الطرق الأكثر سهولة لاستخلاصها التي توصلت إليها الشركات، مادة سحرية، وجرى إنتاجها بكميات هائلة ملأت الأسواق. وصارت تستخدم على نطاق واسع.
كانت البداية باستخدام البنسلين في معالجة مرضى الحرب العالمية الثانية، ثم أصبحت متاحة لسائر المرضى، وبعد انتهاء الحرب، تواصلت الأبحاث.
وأسهم اكتشاف البنسلين في ظهور العديد من المضادات الحيوية، وأنواع من الأدوية والعقاقير. وكنتيجة لاكتشافه المُذهل.
جائزة نوبل
حصل فليمنج على جائزة نوبل بالطب في عام 1945.
ويُخلد اسمه في تاريخ العلماء الذين قادتهم الصُدف إلى اكتشافات ساهمت في تغيير وجه البشرية.
وفي 11 مارس من عام 1955، توفي السير الكسندر فليمنج بعد أن أسدى للإنسانية خدمة التداوي بالعقار الذي لا زال يحتل مركزًا مرموقاً في تصنيع الدواء حتى يومنا هذا.